مسألة : قال الشافعي : - رحمه الله تعالى - : فإذا شق رجل لرجل ثوبا شقا صغيرا أو كبيرا يأخذ ما بين طرفيه طولا وعرضا ، أو كسر له شيئا كسرا صغيرا ، أو كبيرا ، أو رضضه ، أو جنى له على مملوك فأعماه ، أو شجه موضحة فذلك كله سواء ويقوم المتاع كله ، والحيوان غير الرقيق صحيحا ومكسورا ، أو صحيحا ومجروحا قد برئ من جرحه ثم يعطى مالك ذلك ما بين القيمتين ويكون ما بقي بعد الجناية لصاحبه نفعه أو لم ينفعه فأما ما جنى عليه من العبد فيقوم صحيحا قبل الجناية ثم ينظر إلى الجناية فيعطى أرشها من قيمة العبد صحيحا كما يعطى الحر من أرش الجناية من ديته بالغا ذلك ما بلغ ولو كانت قيما كما يأخذ الحر ديات ( قال الشافعي ) : وكيف غلط من زعم أنه إن جنى على عبدي فلم يفسده أخذته وقيمة ما نقصه وإن زاد الجاني معصية الله تعالى فأفسده سقط حقي إلا أن أسلمه يملكه الجاني فيسقط حقي بالفساد حين عظم ويثبت حين صغر ويملك علي حين عصى فأفسد فلم يملك بعضا ببعض ما أفسد وهذا القول خلاف لأصل حكم الله تعالى بين المسلمين في أن المالكين على ملكهم لا يملك عليهم إلا برضاهم وخلاف المعقول ، والقياس .
قال الماوردي : والأصل في وحظر الأموال الكتاب ، والسنة وإجماع الأمة قال الله تعالى : تحريم الغصب إن الله يأمر بالعدل والإحسان [ النحل : 90 ] .
والبغي ، والغصب من جملة المنكر والبغي . وقال تعالى : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم [ النساء : 29 ] ، والغصب من الباطل . وقال تعالى : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا [ النساء : 10 ] ، وقال تعالى : إنما السبيل على الذين يظلمون الناس [ الشورى : 42 ] .
والغصب من جملة الظلم ؛ لأن حقيقة الظلم وضع الشيء غير موضعه . ولذلك قيل أرض مظلومة ، وفيها تأويلان :
أحدهما : أن يتجاوزها المطر .
والثاني : أن يأتيها من غير أوانه .
[ ص: 134 ] وقال الشاعر : وهو تميم بن أبي مقبل :
عاد الأخلة في دار وكان بها هرت الشقاشق ظلامون للجزر
وفيها تأويلان :
أحدهما : أن يعقر في غير منحر على عادة الجاهلية في قطع العراقيب . والثاني : أن ينحر لغير ما سبب . وأما السنة : فما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبة الوداع أنه قال : . أما بعد أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا . أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت اللهم اشهد ، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها . أيها الناس إنما المؤمنون إخوة فلا يحل لامرئ من مال أخيه إلا عن طيب نفس منه ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد فلا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض . فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا : كتاب الله ، ألا هل بلغت اللهم اشهد
وروي عن عبد الله بن السائب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : وروى لا يأخذن أحدكم متاع صاحبه لاعبا ، أو جادا فإذا أخذ عصا أخيه فليؤدها إليه ، أو يردها عليه أبو سلمة بن عبد الرحمن عن سعيد بن زيد قال أشهد على رسوله الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : وروت من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق فلا بارك الله له فيه عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من ظلم قيد شبر من أرض طوقه من سبع أرضين .
وروى هشام بن عروة عن أبيه أن رجلا غصب أرضا من رجلين من بني بياضة من الأنصار وغصبها غرسها نخلا عما فرفع ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر بقلعه وروي أنه قال : . قال ليس لعرق ظالم حق عروة فأخبرني من رأى الغرس تعمل في أصولها . وفي قوله نخلا عما تأويلان : أحدهما : يعني طولا .
[ ص: 135 ] والثاني : يعني أنها قد عمت بخيرها ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - عمتكم النخلة يعني عمت بخيرها وقيل بل عنى أنها خلقت من فضل طينة آدم فصارت عمة في النسب ، فأجمع المسلمون على تحريم الغصب وأن من فعله مستحلا كان كافرا ومن فعله غير مستحل كان فاسقا .