الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " ولو قال غصبتها من فلان لا بل من فلان كانت للأول ، ولا غرم عليه للثاني وكان الثاني خصما للأول " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح إذا قال : غصبت هذه الدار من زيد لا بل من عمرو ، أو قال : هذه الدار لزيد لا بل لعمرو ، أو قال : غصبت هذه الدار من زيد وغصبها زيد من عمرو ، أو قال : هذه الدار لزيد وغصبتها من عمرو .

                                                                                                                                            فالدار في هذه المسائل الأربع لزيد الأول المقر له بالملك ، أو بالغصب لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : تقدم الإقرار له ، والمنع من الرجوع فيه .

                                                                                                                                            والثاني : أنها قد صارت للأول بالإقرار الأول وصار بالإقرار الثاني مقرا في الملك الأول فرد ، ولم يقبل .

                                                                                                                                            [ ص: 39 ] وهل يلزمه غرم قيمتها للثاني بما عقبه من الإقرار له بالملك ، أو الغصب أم لا ؟

                                                                                                                                            على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : نقله المزني هاهنا من كتاب الإقرار ، والمواهب من الأم أن لا غرم عليه .

                                                                                                                                            والقول الثاني : نص عليه الشافعي في كتاب الإقرار بالحكم الظاهر - الذي لم ينقل به المزني شيئا - أن الغرم عليه واجب .

                                                                                                                                            فإذا قيل بسقوط الغرم عنه فوجهه شيئان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن المقر قد فعل ما لزمه من الإقرار وإنما رفع الشرع حكمه بالأول فلم يلزمه بعد فعل الواجب غرم .

                                                                                                                                            والثاني : أن عين الدار قائمة ، والقيمة مع وجودها غير مستحقة وإذا قيل بوجوب الغرم عليه فوجهه شيئان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه بالإقرار الأول مفوت لها على الثاني بفعله فصار كالمستهلك فلزمه الغرم .

                                                                                                                                            والثاني : أنه مقر للثاني بالغصب ، والغصب موجب لغرم القيمة عند تعذر العين وإن كانت قائمة ، كالعبد الآبق ، والمغصوب من الغاصب .

                                                                                                                                            فإذا تقرر توجيه القولين فقد اختلف أصحابنا فقال أبو إسحاق وأبو علي بن أبي هريرة لا فرق بين أن يسلمها المقر إلى الأول ، أو يأمره الحاكم لأجل إقراره بتسليمها إلى الأول في أن وجوب الغرم على قولين .

                                                                                                                                            وقال أبو علي الطبري ونفر من أصحابنا : إن سلمها بنفسه لزم الغرم قولا واحدا لما باشره من الأصالة بالتسليم . فإن سلمها الحاكم ، فعلى قولين ؛ لأنه حكم لا يقدر على رده .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة إن سلمها بنفسه لم يغرم وإن سلمها الحاكم غرم ، قال : لأن تسلم الحاكم تمليك فصار الملك مستهلكا على الثاني فاستحق الغرم وتسليمه بنفسه ليس بتمليك فلم يغرم .

                                                                                                                                            وعكسه ما ذكرنا أشبه بالحق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية