الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الشرط الثالث وهو المقر به فهو ما تضمنه الإقرار ، واختلف أصحابنا في حده ، فقال بعض أصحابنا : هو كل شيء جازت المطالبة به . وقال آخرون : بل هو كل شيء جاز الانتفاع به ، وهذا أصح ؛ لأنه حد لما تجوز المطالبة به ولما يجوز الإقرار به ؛ لأن كل شيء صح الإقرار به سمعت الدعوى فيه ، وما رد في أحدهما رد في الآخر ، ولا تسمع الدعوى في مجهول إلا في موضع واحد وهو أن يقول : وصى لي زيد بشيء من ماله فتسمع هذه الدعوى المجهولة على وارثه ويرجع إلى بيانه فيها لجواز الوصية بالشيء المجهول ، ولا تصح الدعوى المجهولة فيما سواه .

                                                                                                                                            فإذا ثبت ما ذكرنا فلا يخلو حال المقر به من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن يكون في بدن ، أو مال . فأما البدن فضربان :

                                                                                                                                            حق لله .

                                                                                                                                            وحق للآدمي .

                                                                                                                                            فأما حق الله تعالى كحد الزنى وشرب الخمر فليس عليه الإقرار بل هو مندوب إلى ستره ، والتوبة منه . قال - صلى الله عليه وسلم - : من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم حد الله تعالى عليه .

                                                                                                                                            وأما حق الآدمي فالقصاص وحد القذف فعليه الإقرار به ، والتمكين وأما المال فضربان : أحدهما : حق الله تعالى كالزكوات ، والكفارات فليس عليه الإقرار به ، وإنما عليه أداؤه من غير إقرار .

                                                                                                                                            [ ص: 9 ] والثاني : حق الآدميين ، وهو على ستة أضرب :

                                                                                                                                            أحدها : ما كان عينا كعبد ، أو ثوب .

                                                                                                                                            والثاني : ما كان دينا كمال في الذمة .

                                                                                                                                            والثالث : ما كان منفعة مال كمنافع الإيجارات .

                                                                                                                                            والرابع : ما كان منفعة مباحة من غير مال كالأنجاس المنتفع بها ، والكلاب المعلمة .

                                                                                                                                            والخامس : ما كان من حقوق الأموال كالشفعة .

                                                                                                                                            والسادس : ما كان من حقوق غير الأموال كالزوجية ، والقسم .

                                                                                                                                            فهذا كله لا يخلو حال مستحقه أن يكون عالما به ، أو غير عالم . فإن كان عالما به لزمه أداؤه من غير إقرار ما لم يقع تنافر فيه . وإن كان غير عالم به لزمه الأمران معا ، الإقرار به ، والأداء له . فهذا الشرط الثالث .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية