الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( غنا ) في أسماء الله تعالى " الغني " هو الذي لا يحتاج إلى أحد في شيء ، وكل أحد يحتاج إليه ، وهذا هو الغني المطلق ، ولا يشارك الله تعالى فيه غيره .

                                                          * ومن أسمائه " المغني " وهو الذي يغني من يشاء من عباده .

                                                          ( هـ ) وفيه " خير الصدقة ما أبقت غنى " وفي رواية " ما كان عن ظهر غنى " أي [ ص: 391 ] ما فضل عن قوت العيال وكفايتهم ، فإذا أعطيتها غيرك أبقت بعدها لك ولهم غنى ، وكانت عن استغناء منك ومنهم عنها .

                                                          وقيل : خير الصدقة ما أغنيت به من أعطيته عن المسألة .

                                                          * وفي حديث الخيل " رجل ربطها تغنيا وتعففا " أي استغناء بها عن الطلب من الناس .

                                                          ( هـ س ) وفي حديث القرآن " من لم يتغن بالقرآن فليس منا " أي لم يستغن به عن غيره . يقال : تغنيت ، وتغانيت ، واستغنيت .

                                                          وقيل : أراد من لم يجهر بالقراءة فليس منا . وقد جاء مفسرا .

                                                          ( هـ س ) في حديث آخر " ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن يجهر به " قيل إن قوله : " يجهر به " تفسير لقوله : " يتغنى به " .

                                                          وقال الشافعي : معناه تحسين القراءة وترقيقها ، ويشهد له الحديث الآخر " زينوا القرآن بأصواتكم " وكل من رفع صوته ووالاه فصوته عند العرب غناء .

                                                          قال ابن الأعرابي : كانت العرب تتغنى بالركباني إذا ركبت وإذا جلست في الأفنية . وعلى أكثر أحوالها ، فلما نزل القرآن أحب النبي أن تكون هجيراهم بالقرآن مكان التغني بالركباني .

                                                          وأول من قرأ بالألحان عبيد الله بن أبي بكرة ، فورثه عنه عبيد الله بن عمر ، ولذلك يقال : قراءة العمري . وأخذ ذلك عنه سعيد العلاف الإباضي .

                                                          ( هـ ) وفي حديث الجمعة " من استغنى بلهو أو تجارة استغنى الله عنه والله غني حميد " أي اطرحه الله ورمى به من عينه ، فعل من استغنى عن الشيء فلم يلتفت إليه .

                                                          وقيل : جزاه جزاء استغنائه عنها ، كقوله تعالى : نسوا الله فنسيهم .

                                                          [ ص: 392 ] ( س ) وفي حديث عائشة وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث أي تنشدان الأشعار التي قيلت يوم بعاث ، وهو حرب كانت بين الأنصار ، ولم ترد الغناء المعروف بين أهل اللهو واللعب . وقد رخص عمر في غناء الأعراب ، وهو صوت كالحداء .

                                                          * وفي حديث عمر " أن غلاما لأناس فقراء قطع أذن غلام لأغنياء ، فأتى أهله النبي فلم يجعل عليه شيئا " . قال الخطابي : كان الغلام الجاني حرا ، وكانت جنايته خطأ ، وكانت عاقلته فقراء فلا شيء عليهم لفقرهم .

                                                          ويشبه أن يكون الغلام المجني عليه حرا أيضا ، لأنه لو كان عبدا لم يكن لاعتذار أهل الجاني بالفقر معنى ; لأن العاقلة لا تحمل عبدا ، كما لا تحمل عمدا ولا اعترافا . فأما المملوك إذا جنى على عبد أو حر فجنايته في رقبته . وللفقهاء في استيفائها منه خلاف .

                                                          ( هـ ) وفي حديث عثمان " أن عليا بعث إليه بصحيفة فقال للرسول : أغنها عنا " أي اصرفها وكفها كقوله تعالى : لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه أي يكفه ويكفيه . يقال : أغن عني شرك : أي اصرفه وكفه . ومنه قوله تعالى : لن يغنوا عنك من الله شيئا .

                                                          * ومنه حديث ابن مسعود " وأنا لا أغني لو كانت لي منعة " أي لو كان معي من يمنعني لكفيت شرهم وصرفتهم .

                                                          [ هـ ] * وفي حديث علي " ورجل سماه الناس عالما ولم يغن في العلم يوما سالما " أي لم يلبث في العلم يوما تاما ، من قولك : غنيت بالمكان أغنى : إذا أقمت به .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية