الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( ودع ) ( ه ) فيه لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات ، أو ليختمن على قلوبهم .

                                                          [ ص: 166 ] أي عن تركهم إياها والتخلف عنها . يقال : ودع الشيء يدعه ودعا ، إذا تركه . والنحاة يقولون : إن العرب أماتوا ماضي يدع ، ومصدره ، واستغنوا عنه بترك . والنبي صلى الله عليه وسلم أفصح . وإنما يحمل قولهم على قلة استعماله ، فهو شاذ في الاستعمال ، صحيح في القياس . وقد جاء في غير حديث ، حتى قرئ به قوله تعالى ما ودعك ربك وما قلى بالتخفيف .

                                                          ( س ه ) ومنه الحديث " إذا لم ينكر الناس المنكر فقد تودع منهم " أي أسلموا إلى ما استحقوه من النكير عليهم ، وتركوا وما استحبوه من المعاصي ، حتى يكثروا منها فيستوجبوا العقوبة .

                                                          وهو من المجاز ، لأن المعتني بإصلاح شأن الرجل إذا يئس من صلاحه تركه واستراح من معاناة النصب معه .

                                                          ويجوز أن يكون من قولهم : تودعت الشيء ، إذا صنته في ميدع ، يعني قد صاروا بحيث يتحفظ منهم ويتصون ، كما يتوقى شرار الناس .

                                                          ومنه حديث علي " إذا مشت هذه الأمة السميهاء فقد تودع منها " .

                                                          ( س ) ومنه الحديث " اركبوا هذه الدواب سالمة ، وايتدعوها سالمة " أي اتركوها ورفهوا عنها إذا لم تحتاجوا إلى ركوبها ، وهو افتعل ، من ودع بالضم وداعة ودعة : أي سكن وترفه ، وايتدع فهو متدع : أي صاحب دعة ، أو من ودع ، إذا ترك . يقال : اتدع وايتدع ، على القلب والإدغام والإظهار .

                                                          ( ه ) ومنه الحديث " صلى معه عبد الله بن أنيس وعليه ثوب متمزق فلما انصرف دعا له بثوب ، فقال : تودعه بخلقك هذا " أي صنه به ، يريد البس هذا الذي دفعت [ ص: 167 ] إليك في أوقات الاحتفال والتزين . والتوديع : أن تجعل ثوبا وقاية ثوب آخر ، وأن تجعله أيضا في صوان يصونه .

                                                          ( س ) وفي حديث الخرص إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث ، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع .

                                                          قال الخطابي : ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يترك لهم من عرض المال ، توسعة عليهم ; لأنه إن أخذ الحق منهم مستوفى أضر بهم ، فإنه يكون منه الساقطة والهالكة وما يأكله الطير والناس . وكان عمر يأمر الخراص بذلك . وقال بعض العلماء : لا يترك لهم شيء شائع في جملة النخل ، بل يفرد لهم نخلات معدودة قد علم مقدار ثمرها بالخرص .

                                                          وقيل : معناه أنهم إذا لم يرضوا بخرصكم فدعوا لهم الثلث أو الربع ، ليتصرفوا فيه ويضمنوا حقه ، ويتركوا الباقي إلى أن يجف ويؤخذ حقه ، لا أنه يترك لهم بلا عوض ولا إخراج .

                                                          ( ه ) ومنه الحديث دع داعي اللبن أي اترك منه في الضرع شيئا يستنزل اللبن ، ولا تستقص حلبه .

                                                          ( ه ) وفي حديث طهفة " لكم يا بني نهد ودائع الشرك " أي العهود والمواثيق . يقال : توادع الفريقان ، إذا أعطى كل واحد منهما الآخر عهدا ألا يغزوه . واسم ذلك العهد : الوديع يقال : أعطيته وديعا : أي عهدا .

                                                          وقيل : يحتمل أن يريد بها ما كانوا استودعوه من أموال الكفار الذين لم يدخلوا في الإسلام : أراد إحلالها لهم ; لأنها مال كافر قدر عليه من غير عهد ولا شرط . ويدل عليه قوله في الحديث : " ما لم يكن عهد ولا موعد " .

                                                          ( س ) ومنه الحديث " أنه وادع بني فلان " أي صالحهم وسالمهم على ترك الحرب والأذى . وحقيقة الموادعة : المتاركة ، أي يدع كل واحد منها ما هو فيه .

                                                          ومنه الحديث " وكان كعب القرظي موادعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم " .

                                                          [ ص: 168 ] * وفي حديث الطعام " غير مكفور ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا " أي غير متروك الطاعة . وقيل : هو من الوداع ، وإليه يرجع .

                                                          ( ه ) وفي شعر العباس يمدح النبي صلى الله عليه وسلم :

                                                          من قبلها طبت في الظلال وفي مستودع حيث يخصف الورق

                                                          المستودع : المكان الذي تجعل فيه الوديعة . يقال : استودعته وديعة ، إذا استحفظته إياها ، وأراد به الموضع الذي كان به آدم وحواء من الجنة . وقيل : أراد به الرحم .

                                                          ( ه ) وفيه " من تعلق ودعة لا ودع الله له " الودع ، بالفتح والسكون : جمع ودعة ، وهو شيء أبيض يجلب من البحر يعلق في حلوق الصبيان وغيرهم . وإنما نهى عنها لأنهم كانوا يعلقونها مخافة العين .

                                                          وقوله : " لا ودع الله له " : أي لا جعله في دعة وسكون .

                                                          وقيل : هو لفظ مبني من الودعة : أي لا خفف الله عنه ما يخافه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية