الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وللغريم أخذ عين ماله المحاز عنه في الفلس ، لا الموت ، [ ص: 61 ] ولو مسكوكا ، وآبقا ، [ ص: 62 ] ولزمه إن لم يجده إن لم يفده غرماؤه ، ولو بمالهم ، وأمكن لا بضع ، وعصمة ، وقصاص ، [ ص: 63 ] ولم ينتقل ، لا إن طحنت الحنطة ، أو خلط بغير مثل ; أو سمن زبده ، أو فصل ثوبه ، أو ذبح كبشه ، أو تتمر رطبه ; كأجير رعي ، ونحوه

التالي السابق


( وللغريم ) أي رب الدين ومن تنزل منزلته بإرث أو هبة أو صدقة الثمن أو حوالة به ( أخذ عين ماله ) الذي باعه للمفلس ولم يقبض ثمنه منه الثابت له ببينة أو إقرار المفلس قبل فلسه أو بعده على أحد الأقوال في المقدمات يتعين له بأحد وجهين إما ببينة تقوم عليه . وإما بإقرار المفلس به قبل التفليس . واختلف إذا لم يقر به إلا بعده على ثلاثة أقوال : أحدها قبول قوله بيمين صاحب السلعة ، وقيل بدون يمين . وثانيها عدم قبوله ، ويحلف الغرماء أنهم لا يعلمون أنها سلعته . وثالثها إن كان على أصلها بينة قبل قوله في تعيينها وإلا فلا يقبل وهي رواية أبي زيد عن ابن القاسم ( المحاز ) بضم الميم وبالحاء المهملة والزاي ، أي الذي حازه المفلس عن بائعه ولم يدفع له ثمنه فله أخذه ( في ) صورة ( الفلس ) للمشتري بعد شرائه وقبل دفع ثمنه ( لا ) أي ليس للغريم أخذ عين ماله المحاز عنه في صورة ( الموت ) للمدين لخراب ذمته فصار ربه أسوة الغرماء بثمنه بخلاف المفلس ، فإن ذمته موجودة في الجملة ودين الغرماء متعلق بها ، فإن لم يحز عنه فيه فهو أحق به فيه أيضا .

الحط مفهوم المحاز عنه أنه لو لم يحز عنه فليس كذلك ، أما في الفلس فهو أحق بها [ ص: 61 ] من باب أحرى . وأما في الموت فهو أحق بها أيضا . قال في المقدمات لا خلاف في مذهبنا أن البائع أحق بما في يده في الموت والفلس . ابن عرفة روى مالك عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجده بعينه فهو أحق به ، وإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء } . عبد الحق هذا مرسل ووصله أبو داود من طريق إسماعيل بن عياش عن الزبيدي عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة " رضي الله عنه " عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه قال { فإن كان قضاه من ثمنها شيئا فما بقي فهو أسوة الغرماء ، وأيما امرئ هلك وعنده متاع امرئ بعينه اقتضى منه شيئا أو لم يقتض فهو أسوة الغرماء } ، ثم قال ابن عرفة أبو عمر حديث الموطإ مرسل ووصله عبد الرزاق عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه ، وأصحاب ابن شهاب منهم من أرسله ومنهم من وصله . ابن رشد { إن فلس مبتاع سلعة قبل قبضها فبائعها أحق بها ولو في موت مبتاعها وإن قبضها فبائعها أحق بها في فلسه دون موته } ، ثم قال ابن عرفة ابن حارث اتفقوا على أن لمن وجد نفس سلعته في تفليس مبتاعها أخذها عن ثمنها .

وبالغ على أخذ عين ماله المحاز عنه في الفلس فقال ( ولو ) كان ماله المحاز عنه الثابت كونه له ببينة وطبع عليه كما في الرهن أو إقرار المفلس به قبل فلسه على المشهور ( مسكوكا ) دنانير أو دراهم عرفتها البينة بعينها أو كانت مطبوعا عليها أخذه المفلس رأس مال سلم فلربه أخذه عند ابن القاسم قياسا له على السلعة ، وأشار بالمبالغة لقول أشهب ليس له أخذه لأن الأحاديث إنما فيها من وجد سلعته أو متاعه والمسكوك لا يطلق ذلك عليه عرفا ( و ) للمحاز عنه مبيعه وفلس مشتريه قبل دفع ثمنه أخذه ولو رقيقا ( آبقا ) من المشتري بناء على أن الأخذ نقض للبيع وعلى أنه ابتداء بيع لا يجوز وهو المشار إليه بالمبالغة ، وإلى قول أصبغ ليس له إلا المحاصة فلا يجوز له تركها واتباع الآبق لأنه دين بدين . ابن رشد وهو أظهر الأقوال وأولاها بالصواب . [ ص: 62 ] وإذا رضي بائعه بأخذه حال إباقه ( لزمه ) أي الآبق البائع الذي رضي بأخذه في ثمنه ( إن لم يجده ) أي البائع الآبق قاله ابن القاسم وليس له طلبه على أنه إن وجده أخذه في ثمنه ، وإن لم يجده يرجع للمحاصة لأنه ضرر لباقي الغرماء بتركهم التصرف حتى ينظر هل يجده أو لا . وقال أشهب له ذلك . ولأخذ الغريم عين ماله في الفلس ثلاثة شروط أحدها قوله ( إن لم يفده ) بفتح الياء وسكون الفاء أي الشيء المحاز ( غرماؤه ) أي المفلس بثمنه الذي على المفلس فإن فدوه بمال المفلس ، بل ( ولو بمالهم ) فليس له أخذه قاله ابن الماجشون ، ومثله في الموازية ، وزاد أو يضمنوا الثمن ويعطوه به حميلا ثقة . ابن كنانة ليس لهم ذلك ، وإليه أشار بالمبالغة . ابن عرفة فإن أراد غرماؤه أخذها بدفع ثمنها له فذلك لهم دونه وفي كون دفعه من حيث شاءوا وتعيين كونه من أموالهم ، ثالثها من مال المفلس لابن حارث عن ابن القاسم فيها وأشهب وابن كنانة ، ورابعها للمازري وابن رشد عن أشهب ليس لهم ذلك إلا بشرط زيادة على ثمنها يحطونها من دينهم عن المدين .

وثانيها قوله ( وأمكن ) أخذ عين الشيء ، فإن لم يمكن تعينت المحاصة وقد أفاد هذا بقوله ( لا بضع ) بضم الموحدة وسكون الضاد المعجمة لزوجة دخل بها زوجها وفلس قبل دفعها لها مهرها فليس لها إلا المحاصة به إذ لا يمكنها أخذها عين شيئها . الخرشي وهذا ظاهر في المدخول بها لأن الكلام في المحاز فلا يشمل كلامه غير المدخول بها لأن لها فسخ النكاح لأن الزوج لم يحز بضعها . عب وتحاصص بعد البناء بجميع صداقها وقبله على أنها ملكت الكل بالعقد تحاصص به ، وعلى أنها ملكت به النصف تحاصص به وقد مر في الصداق أنه إذا أطلق عليه لثبوت عسره يلزمه النصف ( وعصمة ) لزوجة خالعها زوجها على مال وفلست قبل دفعه فلا يرجع بها ، ويحاصص غرماءها بما خالعته به ( وقصاص ) صالح الجاني مستحقه بمال وفلس قبل دفعه له فلا يرجع له المستحق لسقوطه [ ص: 63 ] بالعفو وله محاصة غرمائه بالمال المصالح به . قال في توضيحه وينبغي أن يلحق بهذا صلح الإنكار إذا فلس المنكر قبل دفع المال المصالح به فلا يرجع المدعي للدعوى ، وله المحاصة بالمال المصالح به .

وثالثها بقاؤها على هيئته ، وأفاده بقوله ( ولم ينتقل ) الشيء المحاز عما كان عليه حين بيعه ، فإن انتقل ( كأن طحنت ) بضم الطاء وكسر الحاء ( الحنطة ) فليس له أخذها هذا هو المشهور ، وإن كان مبنيا على ضعيف ، وهو أن الطحن ناقل وفي بعض النسخ لا إن طحنت عطفا على معنى لم ينتقل ، أي واستمر فلا يرد أن شرط العطف بلا تغاير متعاطفيها إثباتا ونفيا ( أو خلط ) بضم الخاء المعجمة وكسر اللام الشيء المحاز ( بغير مثل ) له ولا يتيسر تمييزه منه كقمح بشعير أو مسوس أو نقي بمغلوث ، فإن خلط بمثله فلا يفيته ( أو سمن ) بضم السين وكسر الميم مشددة ( زبده ) بضم الزاي وسكون الموحدة .

( أو فصل ) بضم فكسر مثقلا ( ثوبه ) أي الغريم أو قطع الجلد نعالا مثلا لا دبغه أو صبغ الثوب أو نسج الغزل ( أو ذبح ) بضم فكسر ( كبشه أو تتمر رطبه ) فلا يرجع بعين شيء من المذكورات ، ويحاصص الغرماء بثمنه لفوات الغرض المقصود منه .

وفي الجواهر والتوضيح لا يفوت الجلد بدبغه على المشهور ولا بقطعه نعالا ا هـ ، وفي القطع نظر مع تفصيل الثوب قاله تت . طفي ما عزاه للتوضيح ليس فيه ، وفيه إن اشترى جلودا فقطعها نعالا أو خفافا فذلك فوت ، وكذا في الشرح وشامله وابن عرفة فتنظيره في غير محله .

وشبه في عدم الأخذ وتعين المحاصة فقال ( كأجير رعي ونحوه ) كأجير علف أو حراسة بأجرة معلومة فلس مؤجره قبل دفعها له فليس له أخذ الماشية والمحروس فيها ، وله محاصة غرمائه بها ، وظاهره كأن الراعي يردها لتبيت عند صاحبها أم لا . وقال [ ص: 64 ] لقمان بن يوسف قرأت على عبد الجبار بن خالد كلام ابن القاسم أن الراعي أسوة الغرماء ، فقال معناه إن كان يردها لبيتها وإن بقيت بيده ومنزله فهو كالصانع .




الخدمات العلمية