الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكل وكيل ، فيرد على حاضر لم يتول ، كالغائب [ ص: 268 ] إن بعدت غيبته ، وإلا انتظر

التالي السابق


( وكل ) من المتفاوضين ( وكيل ) أي كوكيل عن الآخر في البيع والشراء والاكتراء والإكراء والاقتضاء والقضاء والقيام بالاستحقاق وضمان العيب ، ولذا فرع عليه قوله ( فيرد ) بضم التحتية وفتح الراء وشد الدال ما باعه أحدهما ثم غاب بعيب قديم ظهر لمشتريه بعد شرائه فله رده به ( على شريك حاضر ) لبائعه ( لم يتول ) أي الشريك بيعه لأنه وكيل عمن تولاه ، فإن حضر المتولي فليس للمشتري رده على غيره حال كون الرد على الشريك غير المتولي ( ك ) الرد على البائع ( الغائب ) الذي ظهر في مبيعه عيب قديم [ ص: 268 ] لمشتريه بعد شرائه في توقفه على إثبات شرائه بعهدة وتاريخ الشراء السابق في قوله في مبحث الرد بالعيب ثم قضى إن أثبت عهدة مؤرخة وصحة الشراء إلخ .

وأفاد شرط الرد على الشريك غير المتولي بقوله ( إن بعدت غيبته ) أي الشريك الغائب الذي تولى بيع المعيب كعشرة الأيام بين البلدين مع أمن الطريق واليومين مع خوفه وإن لم تطل غيبته فليس ضمير غيبته للغائب المشبه به فهو على حد قول الله تعالى { وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره } فاطر أي معمر آخر ( وإلا ) أي وإن لم تبعد غيبة الشريك الذي تولى البيع ( انتظر ) بضم الفوقية وكسر الظاء المعجمة ، أي أخر الرد إلى قدومه لأنه أدرى بأمر المبيع ولئلا تكون له حجة .

طفي قوله إن بعدت غيبته راجع لقوله فيرد على حاضر لم يتول والضمير للغائب لا يفيد أنه المتقدم ، فهو من باب عندي درهم ونصفه ، ولا يرجع لقوله كالغائب ، لأن التفصيل بين قرب الغيبة وبعدها إنما ذكره في المدونة في غيبة الشريك المفاوض . وأفاد بقوله كالغائب ما قدمه في العيوب من قوله ثم قضي إن أثبت عهدة مؤرخة وصحة الشراء إلخ ، وهذا حاصل تقرير " غ " ، ونصه أصل ما أشار إليه قوله في آخر كتاب الشركة من المدونة ومن ابتاع عبدا من أحدهما فظهر عيبه فله رده بالعيب على بائعه إن كان حاضرا ، أو إن كان غائبا غيبة قريبة كاليوم ونحوه فلينتظر لعل له حجة .

وإن كانت غيبته بعيدة فأقام المشتري بينة أنه ابتاع على بيع الإسلام وعهدته نظر في العيب ، فإن كان قديما لا يحدث مثله بعد شرائه رد العبد على الشريك الآخر وإن كان يحدث مثله فعلى المبتاع البينة أن العيب كان عند البائع وإلا حلف الشريك بالله ما علم هذا العيب كان عندنا وبرئ ; فإن نكل حلف المبتاع على البت أنه ما حدث عنده ثم رد عليه . ا هـ . فبسبب أن كل واحد وكيل للآخر يرد واجد العيب على حاضر لم يتول البيع لتعذر وجود الغائب الذي تولاه حال كون هذا الرد كالرد على كل غائب في افتقار المشتري الراد إلى إثبات أنه ابتاع بيع الإسلام وعهدته ، ثم نبه على أن الرد على الحاضر الذي لم [ ص: 269 ] يتول إنما هو إن بعدت غيبة شريكه الغائب وإلا انتظر ، فالشرط راجع للمشبه لا للمشبه به ، وبهذه التمشية يكون كلامه مطابقا لما في المدونة متضمنا لفصوص نصها ، فلله دره ما ألطف إشارته .

فإن قلت وأين تقدم له الغائب الذي أحال عليه . قلت قوله في خيار النقيصة ثم قضى إن أثبت عهدة مؤرخة وصحة الشراء .

فإن قلت عود الضمير في غيبته على الغائب المشبه به يغير في وجه هذه التمشية . قلت سلمنا عوده عليه ولم يرده للغائب من الشريكين المفهوم من السياق ، فقصاراه أنه من باب عندي درهم ونصفه ، وقد قيل بنحو هذا في قوله تعالى { الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له } وفي قوله سبحانه { وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره } والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية