الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإن شهد بعسره [ ص: 53 ] أنه لا يعرف له مال ظاهر ، ولا باطن ، حلف كذلك . [ ص: 54 ] وزاد وإن وجد ليقضين وأنظر

التالي السابق


( وإن شهد ) بضم فكسر ( بعسره ) أي المديان مجهول الحال أو ظاهر الملاء ، قيل [ ص: 53 ] في أبي الحسن لا يثبت العسر إلا بشهادة أكثر من عدلين كالترشيد والسفه وصفة الشهادة أن يقول الشاهد ( إنه ) أي المدين ( لا يعرف ) الشاهد ( له ) أي المدين ( مالا ظاهرا ولا باطنا ) وجواب إن شهد بعسره ( حلف ) المشهود له بالعسر حلفا ( كذلك ) أي ما شهد به الشاهد في نفي العلم بأن يقول بالله الذي لا إله إلا هو لم أعرف لي مالا ظاهرا ولا باطنا . والمذهب أنه يحلف على البت ، فقد اقتصر عليه ابن عرفة عن ابن رشد ، واقتصر عليه في المقيد ، وذكر في ضيح الخلاف ، ورجح ابن سلمون حلفه على نفي العلم ، واعترضه أبو علي في شرحه ، وعلى ما للمصنف إن ترك من اليمن ظاهرا أو باطنا فلا تعاد لأنها على نية المحلف ، وإن امتنع منهما فلا يجبر عليهما وطلب بهما ابتداء لزيادة الإرهاب التي ربما أوجبت ظهار ما أخفاه ، ولذا قيل بوجوبهما . ( تنبيهات ) الأول : هذه إحدى المسائل التي يحلف فيها المشهود له مع بينته ، ومنها دعوى المرأة على زوجها الغائب بالنفقة ، ومنها القضاء على غائب أو ميت ، وضابطها بينة شهدت بظاهر فإنه يستظهر لها بيمين المشهود له على باطن الأمر إلا الولد المشهود له بالفقر لتكون نفقته على ولده فلا يحلف مع بينته . قال المصنف في النفقات وأثبتا العدم لا بيمين .

الثاني : فهم من قوله إنه لا يعرف إلخ أنه لو قطع بطلت شهادته . ابن عرفة ولابن رشد صفة الشهادة بالعدم أن يقول الشاهد إنه يعرفه فقيرا عديما لا يعلم له مالا ظاهرا ولا باطنا ، زاد ابن عات ولا تبدلت حالته إلى غيرها إلى حين إيقاعهم شهادتهم في هذا الكتاب . ابن رشد فإن قال فقير عديم لا مال له ظاهرا ولا باطنا ففي بطلانها قولان ، بناء على حملها على ظاهرها أنها على البت أو على نفي العلم ، ولو نص على البت والقطع لبطلت .

الثالث : ابن عرفة اللخمي قد تنزل مسائل لا تقبل فيها البينة بالفقر منها من عليه دين منجم قضى بعضه وادعى عجزه عن باقيه وحالته لم تتغير ، ومن ادعى العجز عن نفقة [ ص: 54 ] ولد بعد طلاق الأم وقد كان ينفق عليهما إلا أن تقوم بينة أنه نزل به ما نقله إلى العجز .

ابن فتوح محمد بن عبد الله كتب الموثقين أن المدين مليء بالحق الذي كتب عليه حسن ، فإن ادعى عدما فلا يصدق وإن قامت بينة به لأنه مكذب لها ، ويحبس ويؤدب إلا أن تشهد بينة بعطب حل به بعد إقراره ، وزاد المتيطي عن بعض القرويين أن بينة العدم تنفعه لأنه مضطر في إشهاده بالملاء لولاه ما داينه أحد ، والذي عليه العمل وقاله غير واحد من الموثقين كفضل وابن أبي زمنين أنه لا يقبل قوله ولا تنفعه بينته ويسجن أبدا حتى يؤدي دينه .

( وزاد ) المشهود بعدمه في يمينه ( وإن وجد ) مالا ( ليقضين ) به ما عليه ( وأنظر ) بضم الهمز وكسر الظاء المعجمة أي أمهل ولا يطلب بما عليه إلى يسره به لقوله تعالى { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } ، ولا يلازمه رب الدين ، وفائدة هذه الزيادة عدم تحليفه إن ادعى عليه أنه استفاد مالا وأنكر ولم يأت ببينة فلا يمين عليه لتقدم هذه اليمين قاله في المقدمات ، وأيضا لولاها لأحلفه كل واحد من غرمائه قاله المتيطي ، وهذا يفيد أن الزيادة حق الحالف فله تركها إلا أن يقال تجب عليه لترك الخصومة وتقليلها ما أمكن ، ومعلوم الملاء لا تنفعه إلا ببينة بذهاب ما بيده ، وكذا من أقر بملائه وقدرته على دفع الحق ولم تقم قرينة على كذبه في إقراره .




الخدمات العلمية