الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 370 ] فيمضي النظر ، إلا أن يقول وغير النظر

التالي السابق


وإذا فوض الموكل لوكيله وتصرف الوكيل ( فيمضي النظر ) أي السداد والمصلحة من تصرف الوكيل لموكله ويحوز ابتداء ويرد غيره في كل حال ( إلا أن يقول ) الموكل فوضت لك النظر ( وغير النظر ) فيمضي غير النظر أيضا . " ق " ابن بشير وابن شاس إن قال وكلتك بما إلي من قليل وكثير شملت يد الوكيل جميع الأشياء ، ومضى فعله فيها إذا كان نظرا وما ليس بنظر فهو معزول عنه عادة إلا أن يقول افعل ما شئت ولو كان غير نظر . ابن عرفة تبعهما ابن الحاجب وقبله ابن عبد السلام وابن هارون ، ومقتضى أصل المذهب منع التوكيل على غير وجه النظر لأنه فساد ، وقيدوا بيع الثمر قبل بدو صلاحه بخلوه عن الفساد ، ونقل اللخمي عن المذهب منع توكيل السفيه ا هـ .

خليل فيه نظر إذ لا يأذن الشرع في السفه ، فينبغي أن يضمن الوكيل إذ لا يحل لهما ذلك . ا هـ . وفهم ابن فرحون كلام ابن الحاجب ومن تبعه بخلاف ما فهمه ابن عرفة والمصنف فقال إثره هذا مثال لوكالة التفويض ولفظ ما يقتضي العموم ومعناه فلو قال له وكلتك بما إلي تعاطيه من بيع وشراء وطلاق وعتق وقليل الأشياء وكثيرها جاز فعل الوكيل في ذلك كله بشرط كونه على وجه النظر ، وعكسه هو معزول عنه بالعادة إلا أن يقول له افعل ما رأيت كان نظرا عند أهل البصر والمعرفة ، أو غير نظر ، وليس مراده افعل ما شئت وإن كان سفها كما فهمه صاحب التوضيح ا هـ .

الحط هذا إنما يتم على منع توكيل السفيه وهو أحد طريقتين ، وأما على جواز توكيله فيرجع فيه إلى كلام التوضيح ، والحق أن النظر هنا في مقامين ، أحدهما : جواز التوكيل على هذا الوجه . والثاني : مضي أفعال الوكيل وعدم تضمينه ، فأما جواز التوكيل على هذا الوجه ، فإن أريد به الإذن فيما هو السفه عند الوكيل فالظاهر أنه لا يجوز ، ولا [ ص: 371 ] ينبغي التوقيت فيه وإن أريد به الإذن فيما يراه الوكيل صوابا ، وإن كان سفها عند الناس فإن كان الوكيل معلوم السفه فلا يجوز أيضا ، وإن كان على خلاف ذلك جاز . وأما مضي أفعال الوكيل وعدم تضمينه فالظاهر أن أفعاله ماضية ولا ضمان عليه في شيء لإذن موكله له فيه ، وقد قال في كتاب الجراح فيمن أذن لإنسان في قطع يده فقطعها لا قود عليه لإذنه له فيه فالمال أحرى ، وهذا والله أعلم هو الذي أراده ابن بشير وابن شاس وابن الحاجب ، بل هو المتبادر من قولهم مضى ، أي وإن كان لا يجوز ابتداء .

نعم بقي وجه لحمل كلامهم على الجواز ابتداء ، وذلك أنه قال في كتاب الشركة من المدونة وما صنعه مفوض إليه من شريك أو وكيل على وجه المعروف فلا يلزم ، ولكن يلزم الشريك في حصته ، ويرد صنيع الوكيل إلا أن يهلك ما صنعه الوكيل فيضمنه الوكيل ، فإذا كان الوكيل ممنوعا من التبرعات فيمكن أن يقال معنى قولهم بمضي النظر أي ما فيه مصلحة تعود بتنمية المال لا لتبرعات كالعتق والهبة والصدقة إلا أن يقول وكلتك وكالة مفوضة وأذنت لك أن تفعل جميع ما تراه وإن كان غير نظر أي ليس فيه مصلحة تعود بتنمية المال . وإن كان فيه مصلحة في نفس الأمر فتمضي التبرعات ، ولا يقال فيها إنها سفه وفساد إلا ما تفاحش منها وخرج عن الحد ، ولم يكن فاعله من أهل اليقين والتوكل والله أعلم .



( تنبيهات )

الأول : علم من كلام المدونة المتقدم أن الوكيل المفوض ممنوع من التبرع فأحرى غيره . وفي الكافي ما نصه وأما الوكيل المفوض إليه فله أن يقيل ويؤجر وأن يهضم الشيء على وجه النظر ، وينفذ فعله في المعروف والصدقة إذا كان له وجه ، وفعله كله محمول على النظر حتى يتبين خلافه ، فإذا بان تعديه أو فساده ضمن وما خالف فيه الوكيل المفوض إليه أو غيره ما أمر به فهو متعد ولموكله تضمينه إن شاء ا هـ . الحط ينبغي أن يحمل قوله وينفذ فعله في المعروف والصدقة إذا كان له وجه على أن المراد إذا كان له [ ص: 372 ] وجه يعود بتنمية المال ، كما قالوا في الشريك إنه يمضي إذا قصد به الاستئلاف للتجارة ، وإلا فهو مخالف للمدونة والله أعلم .



الثاني : إذا ابتدأ الوكالة بشيء معين ثم قال إنه وكله وكالة مفوضة وأقامه مقام نفسه وأنزله منزلته وجعل له النظر بما يراه ، فإنما يرجع التفويض إلى ما سماه ولا يتعداه . لأن ذلك كله محمول على ما سماه وعاد إليه . وإن لم يسم شيئا بالكلية وإنما قال وكلته وكالة مفوضة فهذا التوكيل تام في جميع أمور الوكالة فيجوز فعله في كل شيء من بيع وشراء وصلح وغيرها قاله ابن رشد ، قال وإن قال وكالة مفوضة جامعة لجميع وجوه التوكيل ومعانيه كان أبين في التفويض ، ونقله ابن عرفة زاد في المقدمات وهذا قولهم في الوكالة إذا طالت قصرت ، وإذا قصرت طالت ، ونقله في التوضيح والبرزلي عن ابن الحاج عن ابن عات .



الثالث : المتيطي اختصار لفظ التوكيل الشامل العام أن يقول وكل فلان فلانا توكيلا مفوضا جامعا لمعاني التوكيل كله لا يشذ عنه فصل من فصوله ، ولا فرع من فروع أصل من أصوله دائما مستمرا ، وأذن له أن يوكل عنه من شاء بما شاء من فصوله فلو لم يذكر توكيل غيره عنه ففي دخوله فيه اختلاف المتقدمين بعضهم لم أحفظ فيه قولا لأحد منهم والأظهر أن له التوكيل لأن الموكل أنزله منزلته وجعله بمثابته .



الرابع : ابن ناجي في شرح المدونة حيث كان للوكيل التوكيل ، فإنما يوكل أمينا وظاهر ما في التوكيل أنه لا يشترط مساواته له في الأمانة ، وظاهر إجارتها اشتراط مساواته له فيها




الخدمات العلمية