الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 118 - 119 ] وله أن يضع ويؤخر ويضيف [ ص: 120 ] إن استأنف ، ويأخذ قراضا ، ويدفعه ، ويتصرف في كهبة ، وأقيم [ ص: 121 ] منها عدم منعه منها ولغير من أذن له القبول بلا إذن ، والحجر عليه كالحر

التالي السابق


( وله ) أي الرقيق المأذون له في التجارة ( أن يضع ) بفتح التحتية والضاد المعجمة أي يسقط بعض دين له ( و ) له أن ( يؤخر ) دينه الحال إلى أجل قريب . اللخمي : إن لم تكثر الوضيعة ويبعد التأخير ، ويرجع للعرف في حد الكثرة والبعد . الحط هذا هو المشهور ومنعه سحنون لأنه إن كان عن غير فائدة فواضح وإلا فهو سلف جر نفعا . وأجيب باختيار الثاني ولا يلزم عليه المنع لأنها منفعة غير محققة ، وأيضا فإنه منقوض بالجر ، فإنه يجوز له تأخير الأثمان طلبا لمحمدة الثناء والله أعلم .

( وله ) أن ( يضيف ) بضم التحتية وفتح الضاد المعجمة وكسرها ، والتحتية على الأول مثقلة وسكونها على الثاني الناس بطعام يدعوهم إليه ولو عقيقة لولده ، ونحوه في المدونة . طفي في المدونة ليس للعبد الواسع المال أن يعق عن ولده ويطعم ذلك الطعام إلا أن يعلم أن سيده لا يكره ذلك ولا له أن يصنع طعاما ويدعو إليه الناس ، إلا أن يأذن له سيده إلا أن يفعل ذلك المأذون استئلافا في التجارة فيجوز . أبو الحسن : قوله " إلا أن يفعل ذلك المأذون استئلافا في التجارة فيجوز " هذا يعود على غير العقيقة . طفي وبه تعلم ما في قول [ ص: 120 ] تت و " س " ولو عقيقة وأنه غرهما ظاهر لفظها ، ومحل جواز الوضع والتأخير والتضييف ( إن استأنف ) المأذون بها للتجارة فهو راجع للثلاثة ، ومفهوم الشرط المنع منها إن لم يستأنف بها لها .

( تنبيه ) : في المدونة لا يجوز للعبد أن يعير من ماله عارية مأذونا كان أو غير مأذون ، وكذلك العطية . ابن عرفة وفيها لا يعير شيئا من ماله بغير إذن سيده الصقلي عن محمد قال غيره : لا بأس أن يعير دابته للمكان القريب ا هـ .

( و ) له أن ( يأخذ ) الرقيق المأذون له في التجارة ( قراضا ) بكسر القاف أي ما لا يتجر فيه بجزء معلوم من ربحه ، وجزؤه كخراجه لسيده فلا يقضي به دينه ولا يتبعه إن عتق لبيعه به منافع نفسه فأشبه إجارة نفسه والمساقاة كالقراض .

( و ) له أن ( يدفعه ) أي الرقيق المأذون له في التجر القراض لأن أخذه ودفعه من التجارة المأذون له فيها . ابن عرفة وفي استلزام الإذن في التجر أخذ القراض وإعطاءه نقلا الصقلي عن ابن القاسم وأشهب بناء على أنه تجر أو إجارة أو إيداع للغير . ا هـ . وله التسري وقبول الوديعة وأخذه اللقطة وهبة الثواب لا التوكل والالتقاط للقيط إلا بإذن .

( و ) له أن ( يتصرف ) أي الرقيق المأذون له في التجر ( في كهبة ) وصدقة ووصية له بمعاوضة مالية لا بهبة لغير ثواب وصدقة ونحوهما ، ولعله نص على هذا وإن علم من قوله إلا بإذن لدفع توهم عدم دخوله فيه لطريانه بعده ( وأقيم ) بضم الهمز وفتح الميم أي [ ص: 121 ] فهم ( منها ) أي المدونة ( عدم منعه ) أي الرقيق المأذون له في التجارة ( من ) قبول ( ها ) أي الهبة أقامه عياض من قولها وما وهب للمأذون وقد اغترقه دين فغرماؤه أحق به من سيده ، ولا يكون لهم من عمل يده شيء ولا من خراجه وأرش جرحه وقيمته إن قتل وما فضل بيده من خراجه ، وإنما لهم ذلك في مال وهب للعبد أو تصدق به عليه أو أوصي له به فقبله العبد . ا هـ . والإقامة من قولها فقبله لأن ظاهره استقلاله بالقبول .

( و ل ) رقيق ( غير من ) أي رقيق ( أذن ) بضم الهمز وكسر الذال ( له ) في التجر ( القبول ) للهبة والصدقة والوصية ( بلا إذن ) من سيده فيه ، وليس لغير المأذون له التصرف في كهبة إلا بإذن سيده إلا أن يشترط معطيه عدم الحجر عليه كالسفيه والصغير قاله ابن عبد السلام . ابن الفرس العمل بشرط المعطي المذكور خلاف قول الله تعالى { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } ، وأجيب بأن النهي في الآية قيد بقوله تعالى { التي جعل الله لكم قياما } أي تحتاجون لها فيه فيفهم منه أن ما لا تحتاجون له يجوز إعطاؤه لهم ، وهذا على أن الصفة مخصصة والمتبادر أنها كاشفة ( والحجر عليه ) أي الرقيق المأذون له في التجارة إذا قام غرماؤه عليه وطلبوا تفليسه أو أراد سيده منعه من التصرف وإبطال إذنه له ( ك ) الحجر على المدين ( الحر ) في كون الذي يتولاه القاضي لا الغرماء ولا السيد ، وقبول إقراره لمن لا يتهم عليه قبل التفليس لا بعده ، ومنعه من التصرف المالي [ ص: 122 ] إلى غير هذا مما مر ، وليس لسيده إسقاط الدين عنه ، بخلاف غير المأذون فلسيده إسقاط الدين الذي تداينه بلا إذنه عنه قاله ابن رشد . وقيل لسيده الحجر عليه بغير حاكم لأنه ملكه . وفهم أبو الحسن المدونة عليه .

اللخمي هذا إذا لم يطل تجره . ابن عبد السلام لا ينبغي العدول عنه وتردد النويري في كونه خلافا أو تقييدا أو ظاهر كلام ابن شاس الأول . طفي فرض تت المسألة في الحجر لقيام الغرماء ، وذكر الخلاف فيه تبعا للشارح وتبعه جميع من وقفت عليه من شراحه ، وأصله قوله في التوضيح في شرح قول ابن الحاجب وهو في قيام الغرماء والحجر كالحر . وقيل يحجر السيد من غير حاكم .

وقال اللخمي ما لم يطل تجره يعني أنه في قيام غرمائه وحجرهم عليه كالحر فلا يكون ذلك للسيد ، وإنما يكون للحاكم ، ثم ذكر الخلاف فجعل كلام ابن الحاجب مسألة واحدة وليس كذلك وإنما هما مسألتان إحداهما أنه في قيام الغرماء عليه كالحر . والثانية أنه في الحجر عليه كالحر ومعنى الحجر عليه إبطال إذنه له في التجارة ورده للحجر ، وبهذا قرر ابن عبد السلام كلام ابن الحاجب وهو الصواب . والحجر المذكور سواء كان عليه دين أم لا ، ويتبين لك ما قلنا بنقل كلام ابن شاس لأن ابن الحاجب قصد اختصاره ، ونصه : وللسيد الحجر على عبده بعد إذنه له وإن اغترق الدين ما بيده ويمنعه من التجارة ثم يكون ما بيده لغرمائه دون سيده إلا أن يفضل عنهم شيء فيكون له أو يكون هو أحدهم فيشاركهم ، وليس للغرماء أن يحجروا على العبد ، لكن لهم القيام بديونهم فيفلسونه وهو في هذا كالحر .

وإن أراد السيد الحجر عليه فلا يفعل ذلك دون السلطان حتى يكون السلطان هو الذي يوقفه للناس فيأمر به فيطاف به حتى يعلم ذلك منه ، فإن حجر عليه السيد دون السلطان فقال ابن حارث قال ابن القاسم : لا يجوز رده إلا عند السلطان . وقال غيره حيث رده السيد فهو مردود . وقال اللخمي إن لم تطل إقامته فيما أذن له فيه ولم يشتهر أجزأ [ ص: 123 ] حجر السيد ، وذكره عند من خالطه أو عامله ، وإن طال ذلك واشتهر الإذن له كان الحجر عليه للسلطان يسمع ذلك ويظهره ا هـ .

كلام ابن شاس فقد ظهر لك منه أنهما مسألتان هو كالحر في كليهما ، إحداهما عند قيام الغرماء وتفليسهم . والأخرى : الحجر عليه بمعنى إبطال الإذن في التجر ورده للحجر سواء كان عليه دين مستغرق أم لا ، وهذا ظاهر فجعلهاالمصنف في توضيحه مسألة واحدة ، ولذا اقتصر في مختصره على الحجر ولم يذكر قيام الغرماء ، وأصل ذلك كله قولها ومن أراد أن يحجر على وليه فلا يحجر عليه إلا عند السلطان فيرفعه للسلطان ليشهره للناس ، ويسمع به في مجلسه ، ويشهد على ذلك ، فمن باعه أو ابتاع منه بعد ذلك فهو مردود عليه .

وكذلك المأذون لا ينبغي لسيده أن يحجر عليه إلا عند السلطان فيوقفه السلطان للناس ، ويأمر به فيطاف به حتى يعلم ذلك منه .

أبو الحسن لا ينبغي هنا على بابه ا هـ ، وانظره مع نقل ابن حارث عن ابن القاسم ، ثم قال فيها : وإذا لحق المأذون دين يغترق ماله فلسيده أن يحجر عليه ويمنعه من التجارة ، ودينه في ماله ، ولا شيء لسيده في ماله إلا أن يفضل عن دينه شيء ، أو يكون السيد داينه فيكون أسوة الغرماء ، وليس للغرماء أن يحجروا عليه الحجر الذي يحجره السيد بأن يمنعوه من سائر التصرفات في ماله . وأما الحجر الذي هو التفليس فهو لهم . طفي فقد ظهر لك من كلام المدونة أيضا المسألتان وأنه فيهما كالحر ، وأن الحجر عليه لا يقيد بقيام الغرماء فافهم فقد زلت فيه أقدام وأطلنا بالنقول إيضاحا للحق ، والله الموفق .




الخدمات العلمية