الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وعلو بناء وصوت ككمد

التالي السابق


وعطف بالجر على مانع فقال ( و ) لا يقضى بمنع زيادة ( علو ) بضم العين المهملة واللام وشد الواو أي رفع وإطالة ( بناء ) على جاره وإن أشرف عليه نعم يمنع من التطلع عليه والإضرار به ، وظاهره ولو كان ذو العلو ذميا . ابن عرفة قول الطرطوشي يمنعون من إعلاء بنائهم أي الذميين على بناء المسلمين ، وفي المساواة قولان ولو اشتروها عالية أقروا ، إنما نقله عن الشافعية كالمصوب له ( و ) لا يمنع من ( صوت ككمد ) بفتح الكاف وسكون . الميم أي دق القماش ليحسن ، وأدخلت الكاف القصر والندف وصنع الحديد ونجر الخشب وتجربة الآلات المباحة وتعليم الأنغام والصبيان واتخاذ السمان والعصافير والحمام الهدار ، وظاهره ولو اشتد ودام . وفي " ق " خلافه قاله عب ، ونصه ابن عرفة في ضرر صوت الحركات طرق في المجموعة ،

وروى ابن القاسم من أحدث رحى تضر بجاره منع . الباجي أما الرحى فإن ثبت [ ص: 326 ] أنها تضر بجدران الجار منع منها ، وأما صوتها فقال مطرف وابن الماجشون في الغسال والضراب يؤذي جاره وقع صوته إنه لا يمنع ، وتحتمل رواية ابن القاسم الخلاف لأنه لم يبين وجه الضرر الذي يمنع منه . ووجه الأول إنما ذاك في الصوت الضعيف الذي ليس له كبير مضرة أو ما لا يستدام . وأما ما كان صوتا شديدا مستداما كالكمادين والقصارين والرحى ذات الصوت الشديد ، فإنه ضرر يمنع منه كالرائحة ، ولم يحك الصقلي غير نقل ابن حبيب عن الأخوين ولم يقيده بشيء . ابن رشد ضرر الأصوات كالحداد والكماد والنداف ، حكى ابن حبيب أنه لا يمنع ، ورواه مطرف . وذهب بعض الفقهاء المتأخرين إلى منع ضرر الصوت ، واحتج بقول سعيد بن المسيب لبرد اطرد هذا القارئ عني فقد آذاني . ابن عرفة سمع أشهب كان عمر بن عبد العزيز حسن الصوت ويخرج في آخر الليل يصلي في المسجد فقرأ جهرا فقال سعيد بن المسيب لبرد اطرد هذا القارئ عني فقد آذاني ، فسكت برد ، فقال سعيد ويحك . يا برد اطرد هذا القارئ عني فقد آذاني ، فقال له إن المسجد ليس لنا خاصة ، إنما هو للناس ، فسمع ذلك عمر فأخذ نعليه وتنحى ابن رشد أمر سعيد بطرد القارئ عنه يريد به من جواره لا من المسجد جملة ، ولم ينته لمكانه من الخلافة لجزالته وقوته في الحق وقلة مبالاته بالأئمة ، ولم يأنف عمر رضي الله تعالى عنه من قوله لفضله وانقياده للحق .

ابن عرفة انظر هذا مع قول مالك كان الناس في الزمن الأول يتواعدون لقيامهم لأسفارهم بقيام القراء بالمسجد بالأسحار تسمع أصواتهم من كل منزل ، واستدل به ابن عات على جواز رفع الصوت بالذكر في المساجد وقال ابن رشد استدل بعض الشيوخ بهذه الحكاية على أن الأصوات من الضرر الذي يجب الحكم بإزالته على الجار بقطعه عن جاره كالحدادين والكمادين والندافين ، وشبه ذلك وليس بدليل بين لأن ما يفعله الرجل في داره مما يتأذى به جاره بخلافه ما يفعله في المسجد من رفع صوته لتساوي الناس في المسجد ولو رفع رجل في داره صوته بالقراءة لما وجب لجاره منعه ، والرواية منصوصة في أنه [ ص: 327 ] ليس للرجل منع جاره الحداد من ضرب الحديد في داره وإن أضر به .

قلت وقال في رسم المكاتب من سماع عيسى رأيت لابن دحون لم يختلف في الكماد والطحان أنهما لا يمنعان وإن كان محدثا يضر بأسماع الجيران ، فإن أضر بالبناء منع المتيطي في ثمانية . أبي زيد عن مطرف سألت مالكا " رضي الله عنه " الحداد جار الرجل يعمل في بيته وليس بينهما إلا حائط يضرب الحديد الليل والنهار فيؤذي جاره فيقول لا أقدر أن أنام فهل يمنع من ذلك ؟ قال لا ، هذا رجل يعمل لمعاشه لا يريد بذلك الضرر . ابن عتاب تنازع شيوخنا قديما وحديثا فيمن يجعل بداره رحى وشبهه مما له دوي أو صوت يضر به جاره كالحداد وشبهه ، فقال بعضهم يمنع إذا عمله في الليل والنهار . وقال طائفة لا يمنع . وقال أصبغ اتفق شيوخنا على منعه الليل لمن أضر بجاره ولا يمنع بالنهار ، وقاله ابن عبد ربه .

وقال أبو بكر بن عبد الرحمن إن اجتمع ضرران أسقط الأكثر ومنع الرجل من الانتفاع بماله . وصنعته أشد ضررا من التأذي بدوي ما يمنع . ابن عتاب الذي أقوله وأتقلده من مذهب مالك " رضي الله عنه " أن جميع ما يضر الجار يجب قطعه إلا رفع البناء المانع من الريح وضوء الشمس وما في معناهما ، فلا يقطع على مذهب ابن القاسم إلا أن يثبت قصد محدثه ضرر جاره ، وكذا كل ضرر يئول للفساد كالكماد والنداف ، ثم قال وفي المجالس قضى شيوخ الفتيا بطليطلة بمنع الكمادين إذا استضر بهم الجيران ، والأول أولى ، ثم قال ابن عرفة قلت ففي لغو إحداث صوت الحركة ومنعه مطلقا ، ثالثها إن عمل نهارا لا ليلا ، ورابعها إن خف ولم يكن فيه كبير مضرة .




الخدمات العلمية