الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 218 - 219 ] والقول له في ملائه ، وأفاد شرط أخذ أيهما شاء [ ص: 220 ] وتقديمه ، أو إن مات كشرط ذي الوجه ، أو رب الدين ، التصديق في الإحضار ، وله طلب المستحق [ ص: 221 ] بتخليصه عند أجله ; لا بتسليم المال إليه

[ ص: 219 ]

التالي السابق


[ ص: 219 ] و ) إن تنازع الضامن والمضمون له في ملاء المضمون ف ( القول له ) أي الضامن ( في ) ثبوت ( ملائه ) أي المضمون عند ابن القاسم فليس للطالب طلب الضامن لتصديقه في ملاء المضمون ولا طلب المضمون لإقراره بعدمه إلا أن تشهد بينة بعدمه فله طلب الضامن أو تجدد مال للمضمون فله طلبه حينئذ ، هذا خلاف ما استظهره ابن رشد في نوازل سحنون ، فإنه ذكر عنه أن القول للطالب إلا أن يقيم الحميل بينة بملاء الغريم . ابن رشد وهو أظهر لقوله صلى الله عليه وسلم { الزعيم غارم } فوجب غرمه حتى يثبت ما يسقطه ، ولكن المصنف استظهر في توضيحه القول بأن القول للحميل في ملائه ومشى عليه هنا ، ومن كان القول قوله فهل بيمين أم لا ، لم أر من صرح بشيء في ذلك والظاهر أنه لا يمين فيه إلا أن يدعي عليه خصمه العلم ، ويفهم هذا من قول المقدمات .

سحنون القول قول المتحمل له ، وعلى الكفيل إقامة بينة أن الغريم مليء ، فإن عجز عنها وجب عليه الغرم لأنه قال إذا لم يعرف للغريم مال ظاهر ، فالحميل غارم . البناني ما استظهره ابن رشد قال المتيطي هو الذي عليه العمل ، ونصه وإذا طالب صاحب الدين الحميل بدينه والغريم حاضر فقال له الحميل شأنك بغريمك فهو مليء بدينك . وقال صاحب الدين الغريم معدم ، وما أجد له مالا فالذي عليه العمل وقاله سحنون في العتبية أن الحميل يغرم إلا أن يثبت يسر الغريم وملاءه فيبرأ فإن عجز حلف له صاحب الحق إن ادعى عليه معرفة يسره على إنكار معرفته بذلك وغرم الحميل ، وله رد اليمين فإن ردها حلف الحميل وبرئ .

وقال ابن القاسم في الواضحة ليس على الحميل سبيل حتى يبدأ بالغريم . ا هـ . فبان بهذا أن الراجح خلاف ما عليه المصنف ، وقد علم من عادته أنه لا يعتمد استظهار نفسه ، وما استظهره " ح " من عدم اليمين إلا بدعوى العلم صرح به المتيطي كما تقدم والله أعلم .

( وأفاد ) رب الدين ( شرط ) أي اشتراط ( أخذ ) أي تغريم ( أيهما ) أي الضامن ومضمونه ( شاء ) الأخذ منه مبدأ على الآخر ولو حضر مليا على المشهور ، وفائدة هذا [ ص: 220 ] الاشتراط بالنسبة للحميل لأنه لا يطالب إن حضر الغريم موسرا ، فإن اختار إتباع الحميل سقط إتباعه المدين . ابن رشد هذا هو المشهور المعلوم من مذهب ابن القاسم في المدونة وغيرها ، وبه قال أصبغ وقال ابن القاسم مرة لا يجوز الشرط المذكور إلا في القبيح المطالبة ، أو ذي السلطان ، وقوله إن اختار إتباع الحميل سقط إتباعه المدين نقله أحمد عن بعضهم وليس بظاهر ا هـ بناني .

( و ) أفاد شرط ( تقديمه ) أي الحميل في الغرم على المضمون عكس الحكم السابق لأن الشرط لحق آدمي يوفي له به ، وظاهره سواء كان للشرط فائدة لكونه أملأ أو أسمح أو أيسر قضاء أولا ، وهو كذلك في البيان وسواء شرط براءة المدين أم لا ، وإذا اختار تقديم الحميل ولم يشترط براءة المدين فليس له مطالبته إلا عند تعذر الأخذ من الحميل ( أو ) شرط الحميل أنه لا يطالب إلا ( إن مات ) المضمون في المدونة ، وإن قال إن لم يوفك حقك حتى يموت فهو علي فلا شيء عليه حتى يموت الغريم .

ابن يونس يريد أن يموت عديما ، فلو فلس أو افتقر أو جحد المدين فلا يطالب الضامن عملا بشرطه ، ويحتمل عود ضمير مات للضامن ، أي شرط على رب الدين أن لا يطالب إلا بعد موت الحميل ، ولو أعدم المدين وشبه في إفادة الشرط فقال ( كشرط ذي الوجه ) أي ضامن الوجه ( أو ) شرط ( رب الدين التصديق في ) شأن ( الإحضار ) للمضمون ، يعني أن ضامن الوجه إذا شرط على رب الدين أنه يصدق في دعواه إحضار المضمون إذا حل أجل الدين بلا يمين أو شرط رب الدين على ضامن الوجه أنه يصدق في إحضاره بلا يمين فإنه يعمل بالشرط المذكور . المتيطي إذا اشترط ضامن الوجه أنه يصدق في إحضار مضمونه دون يمين فله شرطه ، وإن انعقد في وثيقة الضمان تصديق المضمون له في عدم إحضاره إن ادعى الضامن أنه قد أحضره دون يمين فهو من الحزم للمضمون له وسقط عنه اليمين إن ادعى الضامن إحضاره .

( وله ) أي الضامن ( طلب ) الشخص ( المستحق ) بكسر الحاء المهملة أي رب الدين [ ص: 221 ] المضمون له ( بتخليصه ) أي الضامن من الضمان بأن يقوله ( عند حلول أجله ) أي الدين وسكوته عن طلب دينه من المضمون الحاضر المليء أو تأخيره إما أن تأخذ دينك من المضمون أو تسقط الضمان عني وظاهره سواء طلب المستحق دينه من الضامن أو لا .

ومفهوم عند أجله أنه ليس له ذلك قبل حلول الأجل . الحط كلامه رحمه الله تعالى صريح في طلب الضامن رب الدين بأن يخلص دينه من الغريم إذا حل الأجل ، ولا حاجة إلى أن يقال فيه ظاهره سواء طلب الكفيل بما على الغريم أم لا لأن الكفيل لا يتوجه عليه طلب في حضور الغريم ويسره غير أن قوله بعده لا بتسليم المال إليه لا يلائمه كل الملاءمة ، لكن يتفرع عليه قوله بعد ولزمه تأخير ربه المعسر إلخ ، ويشهد له كلام المدونة في هذه المسألة ، أو قوله ولزمه تأخير ربه وقول ابن عبد السلام في قول ابن الحاجب ، وللضامن المطالبة بتخليصه عند الطلب يعني أن رب الدين إذا توجه له الطلب على غريمه فسكت عنه أي نص على تأخيره فللحميل أن يرضى بذلك ، ويقول لرب الدين إما أن تطلب حقك من الغريم معجلا وإلا فأسقط عني الحمالة لأن في ترك المطالبة بالدين عند وجوبه ضررا بالحميل لاحتمال أن يكون الغريم موسرا الآن ويعسر فيما يستقبل ، وإنما تصح المطالبة إذا كان الغريم موسرا ، وأما إن كان معسرا فلا مقال للحميل لأن الطالب لا طلب له على الغريم في هذا الحال ا هـ .

وأما طلب الضامن المديان أن يخلص الدين الذي عليه ، فلم يتعرض له المصنف . وفي الجواهر للكفيل إجبار الأصل على تخليصه إذا طولب وليس له قبل أن يطلب ا هـ ، ونقله القرافي في ذخيرته والمصنف في توضيحه . قلت وهو مخالف لقولها في السلم .

الثاني ليس للكفيل أخذ الطعام من الغريم بعد الأجل ليوصله إلى ربه ، وله طلبه حتى يوصله إلى ربه ويبرأ من حمالته . ا هـ . وهذا هو الملائم لقول المصنف لا بتسليم المال إليه ، فلو قال المصنف وله طلب المديان بتخليصه عند أجله لا بتسليم المال إليه لكان حسنا ا هـ .

( لا ) أي ليس للضامن طلب المضمون ( بتسليم المال ) المضمون فيه ( إليه ) أي الضامن [ ص: 222 ] عند حلول الأجل ليؤديه للمضمون له




الخدمات العلمية