الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 16 ] وفلس حضر أو غاب ، إن لم يعلم ملاؤه .

[ ص: 16 ]

التالي السابق


[ ص: 16 ] ( وفلس ) بضم الفاء وكسر اللام مشددة المدين الذي أحاط الدين بماله سواء ( حضر ) المدين ولو حكما كمن غاب على ثلاثة أيام فيكتب له ويبحث عن حاله ( أو غاب ) المدين على كعشرة أيام فأكثر ذهابا ، هذا ظاهر مقابلته بحضر وعدم تفصيله في الغيبة بين متوسطة وبعيدة وهذه طريقة اللخمي وهي المناسبة لإطلاق المصنف والذي يفلسه الحاكم ولو في دين أب على ابنه وليس لسيد عبد مأذون له في التجارة تفليسه في معاملة غيره ، وإنما ذلك للحاكم وسيأتي للمصنف في الحجر والحجر عليه كالحر . تت ظاهر كلامه وجوب تفليسه وهو واضح إن التمسه الغرماء ، وقرره بعض مشايخي بالجواز تبعا لصاحب التكملة . عب ورد بقوله وفلس إلخ قول عطاء لا يجوز لأن فيه هتك حرمة المدين وإذلاله . وأما وجوبه إذا لم يتوصل الغرماء لديونهم إلا به فهو لأمر عارض لا لذاته فهو من أصله جائز ، ويجب عند تعذر الوصول للحق إلا به . وقيد المصنف تفليس الغائب بقوله ( إن لم يعلم ) بضم التحتية وسكون العين وفتح اللام ( ملاؤه ) بفتح الميم ممدود أي غناء المدين حال خروجه ، فإن علم فلا يفلس على المشهور وهو قول ابن القاسم استصحابا للحال ، إذ الأصل بقاء ما كان على ما كان . وقال أشهب يفلس .

( تنبيهات ) : الأول : تت ظاهر كلامه بعدت غيبته أو توسطت أو قربت وليس كذلك ، بل هو في بعيد الغيبة . وأما غيره فيكتب إليه قاله ابن القاسم . ولذا قال صاحب التكملة قول ابن الحاجب والبعيد الغيبة لا يعلم ملاؤه بفلس ، أحسن منه . وفي التوضيح عن العتبية والواضحة حد القريب الأيام اليسيرة . قال في البيان ولا خلاف في ذلك ، وخلاف ابن القاسم وأشهب إنما هو عندي فيما إذا كان على مسيرة عشرة أيام ، وأما ما كان على مسيرة شهر فلا خلاف في وجوب تفليسه وإن علم ملاؤه ا هـ . الحط أطلق رحمه الله تعالى والغيبة ثلاثة أقسام قريبة حدها ابن القاسم بأيام يسيرة فلا يفلس بل يكشف عن حاله . ابن رشد [ ص: 17 ] ولا خلاف في هذا ، ومتوسطة وحدها ابن رشد بعشرة أيام ونحوها ، فإن لم يعلم ملاؤه فلس بلا خلاف ، وإن علم فلا يفلس على المشهور خلافا لأشهب ، وبعيدة وحدها ابن رشد بشهر ونحوه قال ولا خلاف في وجوب تفليسه وإن علم ملاؤه وهذه طريقة ابن رشد . وأما اللخمي وابن الحاجب فأطلقا في الغيب البعيدة وحكيا فيها الخلاف مطلقا من غير تقييد بعشرة أيام ونحوها . ونقل في التوضيح كلام ابن رشد جميعه ومشى عليه في الشامل ونصه وفلس ذو غيبة بعدت كشهر أو توسطت كعشرة أيام وجهل تقدم يسره لا إن قرب وكشف عنه كأن علم تقدم يسره على المشهور .

الثاني : غيبة ماله كغيبته . اللخمي من بعدت غيبة ماله وشك في قدره أو وجوده فلس وإن علم وجوده وفيه وفاء فقال ابن القاسم لا يفلس ا هـ . تت " ح " في التوضيح أما لو حضر الغريم وغاب المال فإن ذلك يوجب تفليسه إذا كانت غيبة بعيدة ا هـ ونقله في الشامل .

الثالث : " ح " في الشامل واستؤني ببيع سلع من بعدت غيبته كأن قربت على الأظهر كميت ونقله في التوضيح .

الرابع : تت في كبيره وأشار للتفليس الخاص وهو حكم الحاكم بخلع ماله لغرمائه لعجزه عن قضاء دينه فقال وفلس إلخ . طفي ومثله لس وقد علمت أنه لا شيء من التفليس أخص وأعم ، بل هو واحد ثم تقريرهم كلام المصنف بذلك يقتضي أن التفريع بقوله فمنع من تصرف مالي إلخ على حكم الحاكم بخلع المال الذي جعلوه تفليسا خاصا وليس كذلك ، بل هو مفرع على مطلق التفليس وتقدم الخلاف فيه هل هو تشاورهم في تفليسه أو رفعهم للقاضي أو حبسه ، وليس في شيء . من هذه الأقوال قول بأنه حكم الحاكم بخلع ماله وهذا هو الذي يدل عليه قول ابن شاس وابن الحاجب ، وإذا التمس الغرماء أو بعضهم الحجر على من ينقص ماله عن دينه الحال حجر عليه .

ثم قال وللحجر أحكام منها منع التصرف في المال الموجود والمصنف نسج على [ ص: 18 ] منوالهما فمعنى قوله وفلس حجر عليه بسبب طلبه دينا حل ، وتقدم من كلام ابن رشد وأبي الحسن الاختلاف في حد التفليس أنه مجرد التشاور أو الرفع ولا يحتاج الحجر عليه لحكم الحاكم وهو الذي يدل عليه كلام هؤلاء وإن كان في التوضيح قرر كلام ابن الحاجب بأن الحاكم يحجر عليه ونحوه لابن عبد السلام ، ولا ينافي ما قالاه ما ذكرنا إذ لم يجعلا الحجر والمنع موقوفا على حكم الحاكم ، ويدل لما قلناه قول ابن عرفة في حد الأعم قيام ذي دين إلخ ، فاقتصر على مجرد القيام ورتب عليه المنع وهو صواب ، وتقدم منازعتنا له في جعله أعم ، وفي تفريع منع التبرعات فقط عليه وإلا فهو في نفسه صحيح موافق لما تقدم من كلام الأئمة .

ثم إن ابن عرفة لما عرف الأخص بما تقدم قال يمنع ما يمنع الأعم ومطلق بيعه وشرائه .

وقال في الأعم يمنع التبرعات وتقدم ردنا له ، وقوله إن البيع والشراء يمنعهما الأخص غير ظاهر إذ يمنعه الأعم أيضا على تفسيره له .

والحاصل أن كلام ابن عرفة في هذا المحل فيه نظر ، وقد بينا لك الحق الذي لا غبار عليه فتثبت في هذا المجال فإنه مزلة أفكار أئمة فضلاء والكمال لله أقول بحول الله وقوته لا شك أن حكم الحاكم بخلع مال من أحاط الدين بماله وعجز عن قضاء ما عليه تفليس أخص ، وشرطه قيام الغرماء وهو التفليس الأعم ، ويشتركان في حكم وهو المنع من التصرف المالي بمعاوضة ، وينفرد الأخص بحلول المؤجل وقسمة المال والحبس ونحوها ، ولو كانت هذه الأحكام تترتب على مجرد القيام أو التشاور لم يحتاجوا لرفعه للحاكم ، ولم يظهر قولهم لو مكنهم فقسموا إلخ إذ لا يحتاجون لتمكينه ولو كان التفليس مجرد القيام أو التشاور فيه لم يظهر قولهم شرط التفليس طلب الغرماء ولا قولهم فلس ولو غاب مع أن أمر الغائب لا يحكم فيه إلا القضاة فتقسيم ابن عرفة التفليس إلى أعم وأخص هو الحق الذي لا شك فيه وصرح به مالك وابن القاسم في سماع أصبغ رضي الله تعالى عنهم وتقدم نصه ، ويأتي أيضا في شرح ولو مكنهم الغريم فباعوا إلخ ، ورده خطأ صريح والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية