الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  موقع القضية الفكرية

                  ** لكن الحقيقة أن القضية الفكرية تبقى لها مواصفاتها الخاصة التي تتطلب إعدادا خاصا.. فقد تكون الحاجات الأخرى مقدمة مثل قضية الطعام والشراب والكساء وما إلى ذلك، حتى يهيأ الإنسان لاستقبال القضية الفكرية، وحتى تغلق الأقنية التي يتسلل منها الغزو الفكري.. إلا أنه لا بد - في الحقيقة - أن يكون عندنا تصور عن البرامج التي لا تقتصر على الحصانة الفكرية لعالم المسلمين، وإنما تتجاوز ذلك بأن تجعل المسلم صاحب رسالة يستطيع أن ينقلها إلى العالم.

                  لا شك أن هـذا هـو أدق تعبير عن الحاجة الحقيقية للمسلمين اليوم، التي يمكن أن تعالج الواقع المؤسف الذي نشعر به جميعا، إن تخلف الدور الإسلامي على الساحة العالمية جعل القوى العالمية المتصارعة لا تحسب أي حساب لهذا الدور، وهو ما نعتبره نتيجة طبيعية للتمزق والتخلف والانقسام الذي أصاب المجتمعات الإسلامية، وبالتالي عدم استشعار المسئولية - وما تقتضيه من ضرورة إيجاد القوة والفاعلية - وإسقاط مبدأ أن الأمة الإسلامية أمة واحدة، عقيدة وشعورا وسلوكا ومستقبلا ووجودا.

                  ** في إطار تحديد الحاجات الحقيقية قد نختلف عن غيرنا في جدولة الأولويات، فقد نعتبر أن تخريب القضية الفكرية هـو الذي أدى بالمسلمين إلى ما هـم فيه من التمزق، وقد يكون ترتيب القضية الفكرية وإعادة تنقيتها وسلامتها، يمكن أن يقع في جدول الأولويات من القضايا الإسلامية في عمل الهيئة.

                  وهناك في الحقيقة نقطة أخرى، هـي: أن رسائل كثيرة تأتي من الطلبة المسلمين من جميع أنحاء العالم، الذين يكونون هـدفا للغزو الفكري بما يقدم لهم من فرص للدراسة والرعاية المجانية بالمدارس والجامعات التنصيرية [ ص: 81 ] والاستعمارية بشكل عام.

                  فإلى أي مدى - في تصوركم - يمكن التفكير بالاتصال بالهيئات والمؤسسات التعليمية والجامعات والمعاهد الإسلامية المعنية - الرسمية والشعبية - لإمكانية الحصول على مجموعة من المنح الدراسية للطلبة من أبناء المسلمين - بعد إجراء مسح ودراسة للعالم الإسلامي لتحديد احتياجاته؟ وقد ترون أن هـذه المنح تحقق هـدفين رئيسين: فهي أولا تنقذ أبناء المسلمين من أيدي المؤسسات التعليمية التنصيرية الاستعمارية - وهي عملية تحصين ضرورية ابتداء - ثم تجعل منهم جسورا تمر من خلالها الثقافة الإسلامية الصحيحة إلى بلادهم، فيبني بهم كيان الثقافة الإسلامية هـناك.

                  الأمر الذي لا شك فيه أن الفترة التي مضت منذ إعلان قيام الهيئة حتى الآن قصيرة، والأهداف التي وضعت لها تقوم بالفعل على تمكين الشباب المسلم من تحقيق فرص دراسية في الجامعات والمؤسسات التعليمية القائمة في العالم الإسلامي، أما عن العمل الأساسي الذي تقوم به الهيئة - في البداية - فهو: بناء القوة المادية داخل الهيئة نفسها، والفكرة التي طرحتموها إنما تقتضي قيام جهاز يستطيع أن يتحرك، والجهاز القائم حتى الآن لا يعدو أن يكون مجموعة المؤسسين والتشكيل المنتخب لمجلس الإدارة، وعندما نستكمل هـذه المرحلة - التي تتمثل في بناء القوة المالية المستقلة للهيئة حتى تتحصن ضد عوامل الضعف والخضوع لتأثيرات معينة من هـيئات رسمية أو غير رسمية، وحتى يقوم بناؤها بشكل مستقل - يمكنها من أن تتعامل وفق المبادئ الإسلامية وفي إطار ظروف المسلمين، وتعمل على تخليص المسلمين من المعضلات والمشاكل التي يواجهونها، وتصنف الأولويات، دون أن تخضع في قراراتها إلى أية تأثيرات سياسية أو رسمية من أية جهة.

                  وأعود الآن لأقول: إن من المقرر أن يتم تنظيم حملة على مستوى الوطن الإسلامي والعالم كله، للحصول على رأس مال الهيئة (ألف مليون دولار) ، وخصوصا من الدول الغنية، وسوف تسهم في هـذه الحملة جميع فئات الشعب، وقد تسهم هـيئات رسمية، ولكن التبرع بالمال سوف يكون تبرعا خالصا، بريئا من أي شرط أو غرض؛ لأن هـذا المال سوف يستخدم لتحقيق أهداف الهيئة، فيجب أن يكون مالاصافيا مستقلا، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة تنظيم الجهاز الداخلي للهيئة الذي يتكون من موظفين وإداريين ومفكرين ومتخصصين في المجالات المختلفة، ومن ضمنها المجال الثقافي بقضاياه المختلفة.. [ ص: 82 ] سواء كانت قضايا وافدة ينبغي للهيئة أن توعي المسلمين بها في مناطق معينة، أو قضايا تتعلق بنشر التربية الإسلامية والاهتمام بالكتاب والسنة وتعليم اللغة العربية، ومحاربة الأمية، أو على مستوى الاهتمام بالطلبة من أبناء المسلمين وتمكينهم من الحصول على مقاعد ومنح دراسية في المعاهد والجامعات الإسلامية، للحيلولة دون محاولات احتوائهم واستيعابهم في مؤسسات الآخرين.. فكل هـذه القضايا - في الحقيقة - سوف يخطط لها إن شاء الله بمجرد قيام الأجهزة التي نتوخى أن تقوم سريعا بإذن الله، عندما نتمكن من تحقيق الأولوية الأولى، وهي بناء الهيئة من الناحية المادية والاقتصادية.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية