الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  ردة فكرية

                  النقطة الأولى التي يمكن أن نعرض لها: من خلال نصف قرن أو يزيد من الاهتمام بقضايا المسلمين، سواء أكان ذلك في مجال الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى في الهند أم في مجال الدعوة بشكل عام، أم في مجال الثقافة والتأليف.. وقد مر بالمسلمين خلال هـذه الظروف مآس كثيرة، هـل يمكن تحديد الأسباب الرئيسية التي كانت وراء مأساة المسلمين خلال هـذه الفترة التي عايشتم فيها الدعوة والعمل الإسلامي؟

                  في الحقيقة، الشيء الذي أفقد الدعوة تأثيرها المطلوب، منذ قرون، هـو ما يعيشه المسلمون من تناقض.. المسلمون الآن يعيشون في تناقض، عملية هـدم وعملية بناء، وعملية الهدم هـي أقوى وأنشط، والقائمون بها أقوى وأنشط.. وهم يملكون من الوسائل ما لا يملكه الدعاة المخلصون، فعملية الهدم والبناء قائمة على قدم وساق، أما عملية البناء فهي بكل أسف بطيئة وغير مسلحة، وفيها جوانب كثيرة من النقص؛ فما يبنيه الدعاة في أيام وفي أسابيع يهدمه الهادمون في ساعات وفي دقائق.

                  ثم في عدم وجود الدعاة المخلصين الذين وهبوا حياتهم ومواهبهم وطاقاتهم وركزوها / [ ص: 18 ] على إعادة الإيمان في نفوس الشباب، وإعادة الثقة في صلاحية الإسلام وجدارته ليس للبقاء فقط (وأنا أعتذر لنفسي وضميري لدراساتي القاصرة) ، ولكن جدارة السبق للزمن وجدارة القيادة، قيادة البشرية.

                  فتجربتي ودراستي أن الشباب - كثيرا منهم - قد فقدوا هـذه الثقة، وإن كانوا لا يصرحون بذلك ولا يعترفون به، ولكن هـناك ردة فكرية قد غزت المجتمعات الإسلامية وغزت الشباب بصفة خاصة، فليس من "المودة" وليس من الظرافة والكياسة أن يذهب إنسان إلى الكنيسة ويعلن أنه تنصر، هـذا ما لا يقبله أي مسلم، ولكن إذا بحثنا في عقائدهم، وعن إيمانهم بالله وبالرسول وبالحياة الثانية وبتعاليم الإسلام التي جاءت في القرآن، نجد أنهم قد فقدوا الثقة في كونها مطابقة للعقل والعصر، وأن فيها رسالة للإنسانية، للإنسان الجديد، إنما يعتقدون أن الإسلام قد قام بدور لا بأس به، فقد قام في العصر الإسلامي الأول فنهى عن وأد البنات، ونهى عن عبادة الأوثان.. ولكن ماذا عن هـذا العصر المتطور المتحضر الراقي المعقد؟ إنهم يعتقدون أن الإسلام ليست له رسالة لهذا العصر.. فالقضية الرئيسة أن نعيد الإيمان إلى نفوس الشباب، ثم نعيد الثقة بصلاحية الإسلامي وبأن الإسلام هـو دين الله الأخير الخالد، الذي لا دين بعده. فالمشكلة الحقيقية أن نعيشها الآن هـي تأرجح الشباب المسلم بين عملية الهدم وعملية البناء.. بين التعمير والتخريب.. بين النفي والإثبات.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية