الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  المسلم والتعامل مع العصر

                  ** كيف يمكن -في تصوركم- لمسلم اليوم بما يمتلك من عقيدة وإمكانات وموروثات فكرية ثقافية سابقة أن يتعامل مع أساليب العصر ونواتجه، ويكون قادرا على استيعاب هـذه الأساليب وهضمها وتطويعها لذاته وحضارته التي تعبر عن شخصيته، وتمكنه من أن ينتقل من مرحلة [ ص: 165 ] التكديس إلى مرحلة العطاء الحضاري؟

                  أعتقد أن محور الارتكاز في هـذا الأمر هـو: نظمنا التعليمية والتربوية، إذا لم يقوم هـذا النظام التعليمي ولم يصلح، ولم يوضع في إطاره الصحيح بحيث يكون نتاجه إسلاميا معاصرا ملتزما قادرا أن يتحدث لغة عصره، فلا وسيلة.

                  لا بد من تقويم مناهج التربية والتعليم في هـذا الأمر، الوصول بالمسلم إلى أن يستوعب الواقع حوله من منطلقات معاصرة.. إذا لم يكن دور التربية والتعليم أساسيا في هـذا فستكون كل الأدوار الأخرى أدوارا ثانوية، أنا لا أعتقد أن هـناك تعارضا -بأي حال من الأحوال- وقد يكون فيما أقوله نوع من التكرار نلجأ إليه دائما عند الحديث عن عقيدتنا وإسلامنا من منطلق زيادة الثقة بالنفس، ليس هـناك تعارض في أن يتحدث المسلم المعاصر لغة العصر، ولكن المشكلة أن هـناك معاناة وقضايا ومشكلات تواجه الفرد المسلم في مجتمعنا، لا يمكن لك أن تتوقع إنسانا يعيش حياة ذات إطار معين بعيدا عن الممارسة العملية والتطبيقية لإسلامه وعقيدته، ثم لا ينبهر بما هـو موجود في الغرب من وسائل.. خذ قيمة الحرية مثلا يوضح ما أريد، الحرية قيمة أساسية أكد عليها الإسلام وحرض عليها في حدود أطر معينة، ليست مطلقة أو هـلامية أو هـمجية، هـي حرية منضبطة لها منطلقات وأسس، أين هـذه الحرية؟ وكيف تمارس؟ لا أعتقد أن هـناك مجتمعا مسلما يشعر فيه الفرد بالحرية في أن يقول ما يريد في حدود الإطار العام، فإذا كان هـذا النوع من المسلمين لا تتوافر له أبسط مقومات الحياة، فكيف تنتظر منه أن يظل محافظا على إسلامه ولا ينبهر بالغرب؟ !

                  القضية المثارة قضية هـامة جدا، وموجهة إلى الشباب المسلم اليوم، إما أن يلتزم بإسلامه أو أن ينبهر بما هـو موجود في الغرب، للأسف الشديد، الغالبية منبهرة لأسباب مختلفة، فكيف نجعل من الشاب شابا مسلما ملتزما وفي الوقت نفسه يتحدث لغة العصر ويتحاور مع الحضارة الغربية ليس من موقع الانبهار، ولا من مركب النقص، ولكن من موقع الفهم والإدراك والنقاش والتعديل والإضافة؟

                  هذا النوع من الشباب يجب أن نسعى لإيجاده من خلال نظم التربية والتعليم أساسا، ومن خلال نظم الحياة عامة، لأننا لا نستطيع أن نفصل نظامنا التعليمي عما سواه من أنظمة الحياة الأخرى.. [ ص: 166 ]

                  مقارنة بسيطة بين الطفل الغربي والطفل العربي: لو أن طفلا عربيا حدثت له مشكلة تعرض لها قرينه الغربي، كيف يتصرف كل منهما إزاءها؟

                  لو اعتدى بعض الأطفال على طفل عربي، وسرقوا منه كرته مثلا، سيذهب إلى أمه، يخبرها بما حدث، فيكون جوابها، اجلس مستريحا، سيأتي أبوك وسيقتص لك وسيستعيد كرتك.

                  أما الأم الغربية، فتقول لابنها: اذهب، عالج مشكلتك بنفسك، لا تنتظر أحدا يساعدك، قاوم وأحضر كرتك.

                  أين هـذا النوع من التربية؟ غير موجود عندنا، عندنا نوع من الحماية الزائدة عن اللازم لأطفالنا -تربية اتكالية- مما يجعلهم يفقدون كثيرا من مبادراتهم الذاتية، لا بد أن نعود إلى نظام التربية والتعليم لنصحح كثيرا من مفاهيمه، ونرتقي بالبيت المسلم بحيث يستطيع الطفل التعامل بأسلوب حضاري معاصر يعلمه الاعتماد على النفس، والثقة بالآخرين، وحسن التعامل معهم.. هـذا هـو إسلامنا.

                  ** المشكلة أننا جميعا نشكو، لكننا لا نرى في الواقع شيئا من التقدم على طريق التغيير، الكل يشكو من مناهج التربية والتعليم، وأن المخرج والمنطلق سيكون بواسطتها، ومع ذلك لا نشعر بأننا نتقدم كثيرا باتجاه الحل الصحيح.

                  هذا صحيح، لكن يجب ألا يفقدنا الأمل، وأن نرى الطريق بوضوح.. عندما تواجه مشكلة، عليك أولا تحديد هـذه المشكلة وتعريفها، ومن ثم القيام بالبحث عن حلول لها، كونك طبقت هـذه الحلول، وكانت صحيحة أولا، هـذه قضية أخرى تعتمد على مدى ما لديك من ذاتية وأصالة وحرص، ومن مثابرة وجهد وإصرار على حل المشكلة، أنا لا أخالف في أننا نتحدث، لكنني أعتقد أن "كثرة الطرق تولج"، كما تقول العرب، فبالاستمرار -إذا استطعنا أن نقنع أنفسنا بأن النظام التعليمي والتربوي هـو المنطلق، وهو الأساس في تصحيح المفاهيم- نستطيع إيجاد الشاب الملتزم المتوازن الذي يتحدث لغة عصره.

                  ** هـذه القضية أساسية، لكن عوامل التخلية بين الذين يريدون وما يريدون، قضية أخرى. [ ص: 167 ]

                  نعود إلى ذكر النقطة التي أثرناها قبل قليل، وهي الفجوة الموجودة والملحوظة بين المتخصصين وصانعي القرار، صانعو القرار يجب أن يضيقوا الفجوة، العصر عصر تخصص، لا بد لصاحب القرار من العودة إلى المتخصصين من أبناء أمته، يستفز هـممهم، يعطيهم ثقته في أنه سيأخذ كلامهم مأخذ الجد، ويعمل على تطبيقه، القضية ليست قضية رأي شخصي، لكنها قضية علمية مقننة، وهذا جزء من معاناة المسلمين على كل حال، يجب ألا نسقط في بئر اليأس والإحباط فلا نرى طريقا.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية