الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  الدور الثقافي وأولويات العمل

                  ** إن ما يعنينا من هـذا الحوار مع الأستاذ عبد العزيز بن تركي - بشكل أخص - هـو الدور الثقافي للهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، فنحن نعلم أن الجهل والأمية هـي من الخروق الحقيقية والثغور المفتوحة التي تسلل من خلالها التنصير والغزو الثقافي، وأن من برامج الهيئة أن تقدم مساعدات إنتاجية دائمة لا حلولا استهلاكية لواقع المسلمين.. فهل ستقتصر الهيئة على تحصين المسلمين ضد ما يمكن أن يتسلل - مع حمايتهم - من المبادئ والثقافات الغازية، أم سيكون لها دور بنائي وخطة شاملة للعطاء الثقافي وعدم الاكتفاء بسد الثغور المفتوحة؟

                  إن أحد الأهداف الرئيسة التي تقوم عليها الهيئة: الاهتمام بالجانب الثقافي فيما يتعلق بدور الإسلام والمسلمين في الوصول بالإنسان إلى ما يحقق السعادة والرفه، ويوفر للمسلمين الحصانة التي تحفظ لهم عقيدتهم، وذلك لأن الاتجاهات الثقافية الأخرى إنما تقوم مبرأة من الناحية القيمية والعقيدية - كما تعلمون - فهي تستهدف ترويج فلسفة استعمارية معينة، أو زرع توجيهات عقائدية معينة، أو تحقيق مكاسب تجارية واقتصادية، أو كل الأهداف معا، الثقافة الآن تسخر بمنأى عن الجانب القيمي والأخلاقي والإنساني، وفي تصوري أنه في ضوء التناقضات القائمة الآن في هـذا العصر، وما كشفت عنه حضارة الغرب - التي تعتبر قمة الحضارات المادية - من وجود فجوة عميقة في قلب الإنسان ومشاعره لن تستطيع أن تملأها هـذه الحضارة التي تعتمد على إثارة الانبهار والدهشة - فقط - عند الناس وتحقيق إنجازات مادية يعتبرها بسطاء الناس من الخوارق، إلى درجة قد تهزم الإنسان البسيط المتخلف وتجرده من كيانه الثقافي بفعل هـذه المبهرات.

                  أقول: إنه في ظل هـذا الواقع إذا استطعنا أن ننتفع بمعطيات جوهر الإسلام، ونعمل على نشر مبادئه الأصيلة، وبعث ثقافته، أنموذجا للثقافة ذات القيم الراسخة، التي تحفظ على الإنسان - بصورة عامة - إنسانيته وكرامته، وتهتم بترقيته وتقدمه، بعيدا عن الأغراض والأهواء وارتكاسات المادة، فمن المؤكد أن هـذا سيكون هـو الاستجابة الطبيعية المطلوبة لحاجات البشر في هـذا العصر. [ ص: 78 ]

                  ** إذن ففي تصوركم أن الهيئة لن تقتصر على إغلاق النوافذ التي يتسلل منها الغزو الفكري بمختلف وسائله وتعدد أهدافه، وإنما تفكر بالقيام بدور بنائي لإيصال رسالة الإسلام إلى العالم لإنقاذ الإنسان مما يعانيه من أزمة الحضارة المادية؟

                  هذا صحيح، وإن كان الأمر في البداية يقتضي أن تكون هـناك أولويات، فقد تكون بعض الأمور البسيطة التي ينبغي أن تقوم بها الهيئة، لتحقيق تنمية تعليمية سليمة في قلب الأجزاء الإسلامية المحرومة التي توجد فيها نسبة كبيرة من الأميين، قد يكون ذلك هـو الأهم في البداية لتخليص هـؤلاء المسلمين من أميتهم، والعمل على سد احتياجاتهم وتحقيق حد الكفاية في مستوى التعليم كأولوية هـامة، ثم يأتي بعد ذلك مجال الانطلاق من خلال مراكز مفتوحة لتوعية الجيل المسلم المتعلم وتثقيفه وتحصينه ضد هـذا التغريب الذي نراه في الساحة الإسلامية.

                  ** مما لا شك فيه أن خطة الهيئة، و الأعمال المنوطة بها في المستقبل سوف تأخذ في الاعتبار ترتيب الأولويات ووضع الخطط المرحلية والمدروسة لأعمالها، فإلى أي مدى يمكن أن تفكر الهيئة - فيما يتعلق بالمجال الثقافي والمجال الفكري - بإيجاد برامج مستقبلية مخططة على المدى البعيد، مبصرة للمراحل التي سوف تنتقل إليها، وذلك لأهمية هـذه المجالات التي يرجو المسلم لها أن تخلص من الارتجال وأن تحقق أقصى درجات الفعالية؟

                  دعني أقرأ عليكم بعض الأهداف المنصوص عليها في النظام الأساسي للهيئة، المتعلقة بالنواحي الثقافية والتعليمية، لعل فيها ما يطمئن قلوب المسلمين: (بناء الشخصية المسلمة، ونشر الوعي الإسلامي الأصيل المبني على الكتاب والسنة، والمساهمة في محو الأمية، وتعليم القرآن الكريم واللغة العربية، وتبليغ رسالة الإسلام إلى الناس كافة، وإيضاح الحقائق عن الإسلام، وكشف أباطيل الخصوم بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هـي أحسن، وإنشاء لمؤسسات التعليمية والثقافية والإسلاميةودعمها، كالمدارس والمعاهد والجامعات والمكتبات والأندية، وتوفير المنح الدراسية مع توجيه التخصص لتغطية ما تحتاجه المجتمعات الإسلامية، وتطوير أساليب التعليم والدعوة باستخدام الوسائل المتطورة المرئية والمسموعة والمقروءة، وترجمة معاني القرآن الكريم والكتب الإسلامية إلى اللغات المختلفة، وإعداد الدعاة والمعلمين، وإنشاء [ ص: 79 ]

                  معاهد لتدريبهم ليكونوا قادرين على القيام بهمة التعليم والدعوة وفق الكتاب والسنة..)

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية