الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  المجتهدون الجدد

                  ** القضية في تقديري أن هـناك ثروة فقهية ونظرات كثيرة.. هـناك شيء اسمه فقه وشيء اسمه قانون بالمصطلحات الحديثة.. بمعنى أن الفقه هـو مجموعة نظرات متفاوتة.. متفاوتة في قدرة أصحابها، ومتفاوتة في الحل والحرمة.. لكن إلى جانب المدرسة التشريعية والفقهية هـناك شيء اسمه قانون.. فما ينتقى من المدرسة التشريعية من الأحكام، في صورة تطبيقية يتم تقنينه وجعله الأمر الملتزم. [ ص: 138 ]

                  نعم.. وهذا لم يكن موجودا في الأمة الإسلامية، فقد بدأ حديثا.. لكن القاضي قديما كان يجتهد.. وكان له الحق أن يتبع أحد المذاهب المعتمدة الأربعة المعروفة، وهو ليس كقاضي اليوم، أمامه قانون، يطبق مواده على الواقعة ويصدر الحكم، بل هـو يجتهد في استنباط الحكم وفي التنقل بين عدة مذاهب، أو إذا كانت الدولة تتبنى مذهبا معينا يأخذ من هـذا المذهب، ووظيفته الاجتهاد في معرفة الحكم، هـل يطبق أم لا؟

                  كما لو قصر القانون الآن عن حالة، فيرجع إلى مصدر من مصادر الفقه.

                  نعم.. لكن على كل حال هـذا الاجتهاد بإغلاق باب الاجتهاد انتهى إلى ضرر، والضرر هـو أن الأمة توقفت فعلا عن التفكير القديم الذي كان سائدا في القرن الرابع تقريبا، والزمن يتجدد، وكما قيل: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من أنزعة.. فلا بد من أن يترك باب الاجتهاد مفتوحا.. لكن لي ملاحظة، وأريد أن أكون دقيقا، فإني وجدت ناسا يستغلون فتح باب الاجتهاد، فجاؤوا بأحكام اجتهدوا هـم فيها، كانت وبالا على الأمة، لأن عقولهم قاصرة، ولأنهم لم يستجمعوا المؤهلات العلمية والخلقية للمجتهد، حتى كدت أقول: نعود إلى التقليد المذهبي أفضل من هـذه الفوضى التي جعلت بعض الناس ينشىء مذاهب خامسة وسادسة وسابعة، ليس وراءها من ثروة علمية تجعل لها أية حرمة.

                  شيء آخر حول هـذه الملاحظة هـو أن الاجتهاد دار في المجال الذي يجب أن يتوقف فيه الاجتهاد، بمعنى أننا لم نجتهد فيما توقفنا فيه، أو فيما ضمر فقهنا فيه وهو سياسة المال وسياسة الحكم.

                  ** ما يسمى الفقه السياسي؟

                  نعم.. سياسة العمل والعمال، والفقه الإداري، علاقاتنا الخارجية بالدول، كل هـذا يحتاج إلى اجتهادات كثيرة.. وهؤلاء لا يعرفون شيئا في هـذه الميادين، لا تقليدا ولا اجتهادا، وإنما كل الذي بدأوا فيه وأعادوا فيه هـو فقه العبادات.

                  ولذلك أرى وقف هـذا الاجتهاد الجديد كله، لأنه اجتهاد في ميدان ينبغي أن يكون عملنا فيه الانتقاء والترجيح من أقوال السابقين التي استوعبت -تقريبا كل شيء. [ ص: 139 ]

                  ** لأن العبادات غير متجددة أصلا.

                  نعم.. العبادات غير متجددة أصلا..

                  أما المعاملات فرأيي أن نعتمد مبدأ المصلحة المرسلة الذي اعتمده مالك وبعض الشافعية ، والاستحسان الذي اعتمده الحنفية ، والقواعد العامة في ديننا وهي معروفة وكثيرة -القواعد الفقهية التي نضح بها فقه الأئمة الأربعة- وهو فقه محترم في الحقيقة، ومن الممكن أن ندخل بهذا في ميدان سياسة المال والحكم والإدارة والعمل والعمال والشئون الدولية.. إلى آخره.. مع فتح الباب للانتفاع بالعلم الجديد، ومعنى ذلك أنه لا مانع من أن أعرف ما كان حسنا عند الآخرين، أنقله ولا حرج.. افرض أنهم وضعوا فعلا قوانين أو مواد تبين كيف يستشير الحاكم الناس؟ وكيف يرجع إليهم؟.. فما الذي يمنعني أن أنتقي ما لا أراه مخالفا ديني في هـذه المؤسسات كلها؟!

                  ** تعني ما وصلوا إليه في عمليات استطلاع الرأي والشورى وما إلى ذلك؟

                  نعم.. كل هـذا أستطيع أن أنتفع به، وهو يدخل في باب الاجتهاد الذي ينبغي أن تفتح أبوابه ليكون داخل الإطار الإسلامي.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية