الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  المقدمة

                  في زمن تكاد تنحسر فيه عن عالمنا ملامح الشخصية الموسوعية، يصبح وجود مثل هـذا الرجل علامة بارزة ترمز إلى استمرارية خصوبة عطاء الأمة الإسلامية من الرجال، يسمى القضايا التي يعالجها "معارك" لذلك فهو لا يتناولها من طرف قلمه أو لسانه، وإنما يخوضها بذاته كلها، وقد تسلح بدرجة عالية من الوعي النادر، والمرونة التي يمكن أن توفر ديمومة الفعل وحرية الحركة، حتى في ظل الظروف الحرجة أو عند معالجة القضايا الدقيقة، وهكذا ظلت ساحة العمل الإسلامي مفتوحة أمامه، يمتلك زمام الأمر فيها تحت الاحتلال وبعد الاستقلال -بل ويسجل عليها- بالحكمة مواقف تاريخية. [ ص: 106 ]

                  ومواقف كنون هـي نبض حياة أمته الإسلامية، لأنها تتزامن مع الأحداث يوما بيوم تحسب أبعادها وتكشف عن تأثيرها، وتعكس ما يستوحيه ضمير العالم المسلم الملتزم وما يستشعره وجدانه إزاءها.. وقد يكفي المرء أن يعود إلى كتاباته حتى يقف على "درس التاريخ" ويعيه من خلال رؤية إسلامية شمولية واضحة، ولعل الشيخ كان يرمي إلى هـذا المعنى حين قدم لواحد من كتبه فقال: [.. وهذا الذي أثبتناه هـو-في الواقع- يمثل ما له قيمة تاريخية لا تبلى مع تطاول الزمن..].. سواء كانت القضية تتعلق بالحرية الإنسانية أو المرأة أو الاقتصاد أو نظام الحكم أو استقلال المغرب والدفاع عن القرويين أو اللغة أو فلسطين.. ومثال ذلك ما طرحه في تساؤل، حين عالج -مبكرا- قضية فلسطين.. فقال: [ترى ماذا كان يصير لو تصدى العرب وحدهم لمقاومة الصليبيين وقد جاؤوا من كل حدب وصوب بأعداد وعدد لا تعد ولا تحصى، وأطبقوا على فلسطين وأهلها بوحشية ضارية، لا تشبهها إلا وحشية الصهيونيين الآن؟] ثم يضيف مجيبا على هـذا التساؤل: [إذن لكانت فلسطين قد ضاعت من يد المسلمين إلى الأبد، ولربما لم يقتصر الأمر على فلسطين، بل تعدى لما جاورها من ولايات وأقطار، تماما كما ينوي الصهيونيون أن يفعلوا اليوم إذا تمكنوا من تنفيذ مخططهم في تأسيس دولة إسرائيل الكبرى التي تمتد -في تقديرهم- من الفرات إلى النيل..].

                  أما عن منهج الشيخ كنون في العمل الإسلامي، فهو يرى أن الحق لم يستغن قط -على قوته وظهوره- عن الدفاع عنه وتجليته للناس، على أساس أن الرسول -القدوة- صلى الله عليه وسلم قد جاهد لإرساء قواعد هـذا الدين وإعلاء كلمته، وهو المؤيد بالوحي والبراهين الساطعة، ولذلك ينكر كنون على بعض المسلمين اليوم -وهم في زمن الباطل- ما يعتقدونه من أن الحق سينتصر ويعلو من تلقاء نفسه بدون جهد ولا جهاد.

                  وبقي أن تعرف أن "الكلمة الطيبة" هـي بعض وسائله لتحقيق هـذا المنهج.. وتتمثل في كتب عديدة ألفها، وفي صحف أسسها أو كتب لها مثل: "الحرية" و "الوحدة المغربية" و "منبر الشعب" و "لسان الدين" و "الميثاق" و "الفتح" و "الاهرام" و "المقطم".. وغيرها.. كما تتمثل في هـذا الحوار الذي أجريناه معه.. حول أكثر من قضية.. [ ص: 107 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية