الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  سنن المدافعة ** من خلال فرز الحلول ومواءمتها مع الطاقات والإمكانات للوصول إلى النتيجة الأفضل تخطر لنا عدة قضايا نريد أن نتعرف على رأيكم فيها:

                  أولا : لا شك أن الإصابات التي تعرض لها العمل الإسلامي، والإحباطات الكثيرة، أوجدت عنده حالة خاصة تكاد تكون غير سوية؛ لأنها ثمرة لمواجهة أزمة أوجدت فكرا يمكن تسميته بفكر الأزمة.. لكن المشكلة أنه اعتبرها مقياسا ينظر من خلاله إلى صواب العمل وخطئه، في ظروف الأزمات وغيرها على حد سواء.

                  ثانيا: عملية التعميم التي يمكن أن يقع فيها العقل المسلم الذي تعرض [ ص: 50 ] لأزمة في مكان ما فينجر إلى التعامل مع سائر الظروف والأمكنة والأحوال والمتغيرات بالعقلية نفسها.

                  ثالثا: إن استخدام الوسائل نفسها التي كانت لحالة أزمة معينة لمواجهة الحالات مطلقا سيوقع الفكر والعمل الإسلامي بنوع من التخبط وسوء التعامل والرفض من قبل المجتمعات.

                  إذا أصيب الإنسان بحالة نظر واحدة، أصبح عنده يسمى بعمى الألوان، بحيث يسيطر عليه شيء واحد ويرفض ما عداه.. وقد كان الفكر الإسلامي في مرحلة من مراحله رافضا.. وهذا الرفض حالة من التوتر الشديد أمام أزمة من الأزمات، وليس هـو الموقف الطبيعي المستمر.. وتعبيرات القرآن الكريم مثل تعبيره مع أهل الكتاب: ( تعالوا إلى كلمة سواء.. ) (آل عمران: 64) ترسم أرضية للواقع الذي نتعامل معه.. والأصل في الإسلام أنه دعوة وبلاغ، ونتيجة البلاغ والدعوة جهاد لإزالة العوائق.. ومعنى البلاغ أن المسلم يمد يده دائما للعالمين، بدليل أنه في ليلة المعركة يكون الذي يحاربك عدوا كافرا، ثم يصبح أخاك حينما يعتنق الإسلام.. ولذلك يمنع الفكر الإسلامي الأحكام المسبقة والأحكام المطلقة على الناس والبناء على الظنون ( إن بعض الظن إثم.. ) [الحجرات:12]، إنه يفتح الباب على مصراعيه للتعامل الصحيح الحي، لذلك لا ينبغي أن يرتبط العمل الإسلامي بفكر موحد أمام قضايا متعددة، لا بد أن يكون فكرا متعددا متنوعا أمام القضايا المتعددة.. ولا بد من الإيمان بقول الله عز وجل : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض.. ) [البقرة:251]، فهذه سنن المدافعة.. ومن سنن المدافعة: أن يكون لكل حالة علاجها، ولكل قضية وزنها، ولكل مشكلة أسبابها وحلولها.. ومن الأشياء الهامة التي يقرؤها الإنسان لشيخ الإسلام ابن تيمية : أنه لم يحكم على التتار بحكم واحد، فمن عامل المسلمين معاملة طيبة له حكم، والذين لم يرفعوا السيف لهم حكم أيضا.

                  والنبي صلى الله عليه وسلم عندما عامل القضايا، عاملها بأحكام متنوعة وليس بحكم واحد.. وعالمنا الحاضر هـو عالم الأخذ والعطاء وليس عالم الرفض والمصارعة.

                  ** لا سيما وأن العمل الإسلامي يفترض أن يكون وراءه احتساب وثواب وليس محاكمة للناس وإصدار الأقضية عليهم.. ولا شك أن فكر الأزمة [ ص: 51 ] أوجد نوعا من الشخصية الاقتحامية التي باتت تظن أن كل الأعمال التي لا تترافق مع صور اقتحامية معينة، محكوم عليها بالفساد، وأصبح مقياس الاستقامة والصلاح، مدى الارتطام والصدام، مع أن الأصل في الفكر الإسلامي هـو أن يحل الأزمة لا أن يصنعها، وأن يغير الناس لا أن يقضي عليهم، وأن البلاء يكون بالخير كما يكون بالشر.

                  لقد كان أوامر الله عز وجل للرسول صلى الله عليه وسلم في المواجهة دائما: الصبر، التريث، المصاولة ( ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا ) [الأنعام:34]، ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم ) [الأحقاف:35]، فكأن المساحة التي وضعها الإسلام للعمل أكبر من مساحة عملية الاقتحام وأكبر من عمر الفرد وأكبر من الزمن.. ولهذا فعندما خيل إلى المسلمين أنهم في حالة خوف وترقب، وصاروا مشلولين عن العمل الطويل والبناء، لم يسبقوا إلى الحضارة؛ لأنهم متوجسون خيفة.. والإنسان المتوجس خيفة لا يستطيع أن يفرغ لعمل ولا أن يقيم حضارة، فهو قلق وغير سوي.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية