الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  مراجعة لا رجوع

                  ** يعتبر بعض العاملين للإسلام أن مراجعة الوسائل نوع من الرجوع عن [ ص: 47 ] الخط والعدول عن الطريق وعدم الثبات للمحنة.. فهل ترون أن هـناك فوارق - في المقدمات على الأقل إن لم يكن في النتائج - بين ما يمكن أن يصنف في إطار الخطأ والتقصير الذي تجب مراجعته واكتشافه وتصويبه وبين ما يمكن أن يقع في دائرة الفتنة والابتلاء الذي لا بد للإنسان في دفعه ورفعه؟.. وهل يمكن أن نأتي بنماذج للتقصير؟

                  من الوسائل التي أصبحنا مقصرين أو غير مستوعبين لعصرنا فيها، إحجامنا عن دخول الميادين الجديدة المؤثرة في مجتمعات الأمة الإسلامية، فتجد المسلم - في بعض الأحوال - يخاف على نفسه ويهتم اهتماما كبيرا بذاتيته ولا يدخل إلى ميدان من الميادين المؤثرة كميدان الإعلام مثلا .. لو أجريت إحصائية بين الصحفيين أو الذين يعملون في وكالات الأنباء أو بين الذين يدرسون في الدارسات الاستراتيجية، لوجدت كمية المسلمين ضامرة وقليلة جدا، وهذا يبين أن التوجه الإسلامي توجه منكفئ نحو الذات وليس ناظرا للمستقبل، بل حتى على مستوى المؤسسات ومستوى الناس الذين لديهم قدرات مختلفة، تجد أن الأداء ليس موازيا لمثيله في المؤسسات الأخرى.

                  ** هـذا يعني أن القدرات الموجودة في العالم الإسلامي غير موظفة بشكل صحيح في المجالات المطلوبة والمجدية لهذه المرحلة.. ونعتقد - من بعض الوجوه - أن هـذه القضية قد لا تكون بسبب من الخوف وإيثار الراحة أو تحكم النزوع إلى الذات بقدر ما هـو عطالة في الرؤية، بدليل أن المسلمين قد يقتحمون مواقع خطرة ومنزلقات غير مضمونة ويقدمون التضحيات الكثيرة التي تبرهن على روح فداء عالية جدا. لكن يبقى - مع الأسف - أن هـذه الطاقات وضعت في غير الآفاق والمواقع المجدية.. ونستطيع أن نقول: بأن المسلمين لما يستطيعوا إلى الآن حذف وإسقاط الحركات غير المجدية - أو تبديد الطاقات في المجالات غير المجدية من حياتهم - ولما تتكون عندهم بعد الحواس التي تستشعر حاجات العصر ليتوجهوا إليها وتكون وسيلة من وسائل عملهم ودعوتهم.

                  لهذا فإن الحاجة ماسة لمؤسسات التربية التي تنهض بطاقات الفرد العامل للإسلام من نوحيه المختلفة، بحيث تكون الطاقة الفكرية طاقة مبصرة، والطاقة العملية طاقة [ ص: 48 ] متقدمة، وهذا يحتاج لعملية صهر.. ربما نكون نجحنا في الجانب العام، فقد تجد الناس يتكلمون كثيرا ويخطبون كثيرا ويتحمسون كثيرا، لكنهم يفقهون قليلا، أو تجد الكمية الانفعالية أكثر من الكمية العملية، وهذا ما نلحظه عندما ندخل مناطق مهمة جدا مثل مناطق المجاهدين الأفغان في بيشاور وغيرها، حيث ينبغي أن تكون هـناك حركة دائبة لتأمين كفالة اليتامى ورعاية الأرامل، ولكن تنظر هـناك كيف ضمرت الأمة الإسلامية وكيف أصبحت قليلة القدرة على استيعاب المحنة.. بينما إذا نظرت إلى مجتمع آخر حدث عنده شيء من ذلك، تجد القدرة على امتصاص المشكلة وتنظيمها.

                  ** وقد تجد أيضا من نتائج عدم القدرة على امتصاص المشكلة الواقعة وعدم إمكانية التعامل معها في العالم الإسلامي، كيف أن مشاكل الجفاف في بعض مناطق العالم الإسلامي كمثال، كان المجتمع الغربي أقدر على استيعابها، من وجه إنساني، أكثر من استيعاب العالم الإسلامي لها حيث فرضية التكافل الاجتماعي وحقوق الأخوة الإسلامية!

                  ولذلك، ينبغي التركيز الشديد على العمل في المؤسسات الاجتماعية بصبر وتقى، وإنكار للذات، حتى يمكن

                  تحرير القاعدة العامة للمجتمع الإسلامي من هـذه الأمراض التي أسقطته.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية