الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  مقومات الخلود

                  ** هـذا يعني أن الإنسان الحر المكلف هـو أساس الحضارة في الإسلام، ويعني أيضا أن قابلية الإقلاع الحضاري مرتبطة بجهده وكسبه، وأن عناصر الخلود في الحضارة الإسلامية الموحى بها موجودة ومستمرة، لذلك نستطيع القول: بأن الحضارة الإسلامية تختلف في عوامل النهوض والسقوط عن الحضارات الأخرى، هـناك حضارات كثيرة سادت ثم بادت لعدم وجود عناصر الخلود فيها، ولعدم اعتمادها الأساس الذي هـو الإنسان.

                  نعم، هـذا ما أردت قوله، مع التنبيه إلى أن مقومات الخلود في الحضارة الإسلامية موجودة، غير أن قضية الصعود والهبوط، والتطور والانحطاط ترتبط ارتباطا أساسيا بمدى الجهد الذي يبذله الإنسان المسلم السوي، الحر المكلف، في أدائه للأمانة -أمانة الاستخلاف وعمارة الأرض- ولو درسنا التاريخ الإسلامي لوجدنا أنه كلما بذل المسلم جهده، وأدى واجبه كان النهوض الحضاري، ومتى توارى هـذا الجهد كان الانحطاط الحضاري.. إلا أن الحضارة الإسلامية لا يمكن أن تموت أو أن تندثر، من هـنا فهي في هـذا تختلف عن قانون الدورات الحضارية المعروف.

                  ... هـنا يمكن لنا أن نستشهد بشيء مما أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الأمة المسلمة لا تستأصل، ولكنها يمكن أن تمرض وأن يسلط عليها الأعداء تسليطا لا يستأصل شأفتها، ولكنه تسليط تحد ليثير هـمتها ويحركها نحو تجديد شبابها، ولقد تكرر ذلك في التاريخ الإسلامي.. بينما الحضارات الإنسانية الأخرى كانت عاجزة عن النهوض، صحيح أن هـناك حضارات استفادت من أصول حضارات أخرى، لكن -كهوية حضارية متميزة- لا توجد حضارة سوى الحضارة الإسلامية استطاعت الصمود والنهوض بعد الضعف لأكثر من فترة من فترات التاريخ، وفي أكثر من موقع من مواقعه. [ ص: 156 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية