الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 495 ] ( ولو كان هذا في الطلاق وهن غير مدخولات ومات الزوج قبل البيان سقط من مهر الخارجة ربعه ومن مهر الثابتة ثلاثة أثمانه ومن مهر الداخلة ثمنه ) [ ص: 496 ] قيل هذا قول محمد رحمه الله خاصة ، وعندهما يسقط ربعه ، وقيل هو قولهما أيضا ، وقد ذكرنا الفرق وتمام تفريعاتها في الزيادات .

التالي السابق


( قوله ولو كان هذا في الطلاق ) يعني قال لزوجتين له إحداكما طالق ، فخرجت إحداهما ودخلت زوجة له ثالثة فقال إحداكما طالق ( وهن غير مدخولات ومات الزوج قبل البيان سقط من مهر الخارجة ربعه ) ووجب لها ثلاثة أرباعه ( ومن مهر الثابتة ثلاثة أثمانه ) ووجب لها خمسة أثمانه ( ومن مهر الداخلة ثمنه ) ووجب لها سبعة أثمانه فألزمهما محمد رحمه الله المناقضة فإن سقوط ربع مهر الخارجة لوقوع طلاق بينها وبين الثابتة يسقط به نصف مهر من مهريهما ليست إحداهما أولى بسقوطه من الأخرى فوزع بينهما فسقط من كل من الخارجة والثابتة ربع مهرها ، والكلام الثاني موجب في حال هي أن تراد الخارجة دون حال وهي أن تراد الثابتة لأنه يصير جامعا بين أجنبية ومنكوحة لأنه [ ص: 496 ] لا عدة ; لأنه قبل الدخول فيتنصف ويثبت به سقوط الربع موزعا ليسقط ثمن مهر الداخلة ومثله من مهر الثابتة فيضم إلى ما سقط مع الأولى فيتم لها ثلاثة أثمانه فيجب مثله في مسألة العتق فيعتق ربع الداخل ; لأن الثمن في الطلاق قبل الدخول بمنزلة الربع لأن الساقط به نصف المهر والثمن هو ربع النصف .

قال المصنف في جوابه ( قيل هذا ) أي المذكور في الطلاق ( قول محمد وحده ، أما عندهما فيسقط ربع مهر الداخلة ) لا الثمن فلا يتم به الإلزام ( وقيل ) بل ( هو قولهما أيضا ) والفرق ذكر المصنف أنه ذكره في زياداته وذكر تمام تفريعاتها أيضا فيها . أما التفريعات فما قدمناه في بيان العتق قبل موت أحد وبعد موت أحد العبدين ، وأما التفريعات في الطلاق ، فمنها أن ميراث [ ص: 497 ] النساء وهو الربع أو الثمن ينقسم بين الداخلة والأوليين نصفين نصفه للداخلة لأنه لا يزاحمها إلا إحدى الأوليين : أعني الثابتة والنصف الآخر بين الأوليين لأن إحداهما ليست أولى به من الأخرى .

ومنها أن الثابتة لو ماتت والزوج حي طلقت الخارجة والداخلة لما ذكرنا في العتاق ولكل واحدة على الزوج ثلاثة أرباع المهر ، وإن ماتت الداخلة كان عليه بيان الكلام الأول ، فإن أوقعه على الخارجة طلقت الثابتة أيضا لعدم مزاحمة الداخلة بالموت ; وإن أوقعه على الثابتة لم تطلق الخارجة ، وإن ماتت الخارجة طلقت الثابتة دون الداخلة لما ذكرنا في مسألة العتق ، ولو لم تمت واحدة منهن حتى بين الزوج الطلاق الأول في الخارجة صح وعليه بيان الثاني ، وله الخيار في تعيين الثابتة أو الداخلة به ، وإن بين الطلاق الأول على الثابتة لغا الكلام الثاني ، وإن أوقع الطلاق الثاني على الداخلة كان له الخيار في تعيين الخارجة أو الثابتة بالكلام الأول ، وإن أوقعه على الثابتة طلقت وطلقت الخارجة أيضا لما تقدم .

وأما الفرق فهو أن الكلام الثاني في العتق صحيح من كل وجه في حق الداخل ولا إشكال فيه ، وكذا في حق الثابت . أما على قول أبي حنيفة رحمه الله فظاهر لأنه عتق نصفه وهو يقول بتجزي الإعتاق ومعتق البعض كالمكاتب ، والمكاتب محل للعتق فصح اللفظ الثاني بالنسبة إليه أيضا ، بخلاف الطلاق لأنه ليس بين كون المرأة محلا للطلاق وغير محل له واسطة والطلاق المذكور قبل الدخول فلزم كون الإيجاب الثاني فيه دائرا بين كونه موجبا لسقوط النصف وكونه غير موجب شيئا بخلافه في العتق ، وأما على قول أبي يوسف وهو لا يقول بتجزي الإعتاق فلأن الثابت دائر بين أن يكون حرا وبين أن يكون عبدا ، فكان كالمكاتب ، والمكاتب محل للعتق إلى آخر ما ذكرنا لأبي حنيفة .

ولا يخفى أن المراد من كون الثابت عتق نصفه على قول أبي حنيفة فيصير بذلك مكاتبا في الإيجاب الثاني إنما هو بعد موت المولى ، وإلا فالإيجاب الأول إنما مقتضاه عتق واحد من الاثنين بكماله فلا يحكم بعتق نصف أحد به ، لكن عند تعذر الوقوف على ذلك الواحد بموت المولى قسمناه بينهم ، فقد يقال من طرف محمد رحمه الله : إن اعتبار الأحوال إنما هو حال صدور ما يجب اعتباره ، وحال صدور الإيجاب الثاني لم يكن في الثابت عتق أصلا .

ويجاب بأنه إنما يجب الاعتبار حال صدوره إذا كان لتعرف حكمه إذ ذاك ، ونحن إنما نريد أن نتعرف حكم الكلام بعد الموت .

وفرق آخر وهو أن الكلام الأول يعتبر تعليقا في حق الداخل بحكم يقبل التعليق وهو وقوع العتق . أما البراءة عن المهر فلا تحتمله من جهة الزوج ، فإن البراءة إنما تكون من قبل المرأة فيعتبر تنجيزا في حق البراءة ، وإذا اعتبر تنجيزا كان الكلام الثاني مترددا بين أن يوجب أو لا يوجب شيئا فأوجب سقوط ربع المهر من الثابتة والداخلة فيسقط من الداخلة ثمن وتستحق ثلاثة أثمان مهرها ومن الثابتة كذلك وكان سقط المتيقن بالأول فيسقط ثلاثة أثمان مهر وتستحق ثمنا واحدا .

هذا ولا يخفى أن تخصيص أبي يوسف [ ص: 498 ] في الفرق بما ذكر يقتضي أنه لا يقول بتجزي الإعتاق في الأعبد فيقوى به ما ذكرنا من سقوط ذلك السؤال .




الخدمات العلمية