الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 343 ] ( ولا يجوز للمطلقة الرجعية والمبتوتة الخروج من بيتها ليلا ولا نهارا ، والمتوفى عنها زوجها تخرج نهارا وبعض الليل ولا تبيت في غير منزلها ) أما المطلقة فلقوله تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } قيل الفاحشة نفس الخروج ، وقيل الزنا ، ويخرجن لإقامة الحد ، وأما المتوفى عنها زوجها فلأنه لا نفقة لها فتحتاج إلى الخروج نهارا لطلب المعاش ، وقد يمتد إلى أن يهجم الليل ، ولا كذلك المطلقة لأن النفقة دارة عليها من مال زوجها ، [ ص: 344 ] حتى لو اختلعت على نفقة عدتها قيل : إنها تخرج نهارا ، وقيل لا تخرج لأنها أسقطت حقها فلا يبطل به حق عليها . .

التالي السابق


( قوله وبعض الليل ) يخصه من التعليل قوله وقد يمتد إلى أن يهجم الليل ، وقد روي عن محمد المتوفى عنها لا بأس أن تغيب عن بيتها أقل من نصف الليل . قال الحلواني : هذه الرواية صحيحة لأن المحرم عليها البيتوتة في غير منزلها ، والبيتوتة هي الكينونة في جميع الليل نقله في الكافي ، وقد مر قبله ما ينفي اختيار صحتها وهو قوله لأن نفقتها عليها وعسى لا تجد من يكفيها مئونتها فتحتاج إلى الخروج لنفقتها غير أن أمر المعاش يكون بالنهار عادة دون الليالي فأبيح الخروج لها بالنهار دون الليالي انتهى . ويعرف من التعليل أيضا أنها إذا كان لها قدر كفايتها صارت كالمطلقة فلا يحل لها أن تخرج لزيارة ونحوها ليلا ولا نهارا .

والحاصل أن مدار الحل كون غيبتها بسبب قيام شغل المعيشة فيتقدر بقدره ، فمتى انقضت حاجتها لا يحل لها بعد ذلك صرف الزمان خارج بيتها .

( قوله أما المطلقة فلقوله تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن } الآية ) اشتملت على نهي الأزواج عن إخراجهن غضبا عليهن وكراهة لمساكنتهن أو لحاجتهم إلى المساكن ، وعلى نهي المطلقات عن الخروج ونهيهن أبلغ لأنه أوقع بلفظ الخبر { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } قيل : الفاحشة نفس الخروج ، قاله النخعي ، وبه أخذ أبو حنيفة ، وقيل الزنا ، فيخرجن لإقامة الحد عليهن وهو قول [ ص: 344 ] ابن مسعود وبه أخذ أبو يوسف ، وقال ابن عباس : الفاحشة نشوزها وأن تكون بذية اللسان على أحمائها .

وقول ابن مسعود أظهر من جهة وضع اللفظ لأن إلا أن غاية ، والشيء لا يكون غاية لنفسه وما قاله النخعي أبدع وأعذب في الكلام ، كما يقال في الخطابيات لا تزن إلا أن تكون فاسقا ، ولا تشتم أمك إلا أن تكون قاطع رحم ونحوه ، وهو بديع بليغ جدا يخرج إظهار عذوبته عن غرضنا .

( قوله حتى لو اختلعت على نفقة عدتها قيل : تخرج نهارا ) لأنها قد تحتاج كالمتوفى عنها . وقيل : لا يباح لها الخروج لأنها هي التي أبطلت النفقة فلا يصح هذا الاختيار في إبطال حق عليها ، وبه كان يفتي الصدر الشهيد ، وصححه في جامع قاضي خان ، وهذا كما لو اختلعت على أن لا سكنى لها فإن مئونة السكنى تبطل عن الزوج ويلزمها أن تكتري بيت الزوج ، وأما أن يحل لها الخروج فلا . والحق أن على المفتي أن ينظر في خصوص الوقائع ، فإن علم في واقعة عجز هذه المختلعة عن المعيشة إن لم تخرج أفتاها بالحل وإن علم قدرتها أفتاها بالحرمة .




الخدمات العلمية