الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال رضي الله عنه : [ ص: 151 ] ( ومن كان محصورا أو في صف القتال فطلق امرأته ثلاثا لم ترثه ، وإن كان قد بارز رجلا أو قدم ليقتل في قصاص أو رجم ورثت إن مات في ذلك الوجه أو قتل ) وأصله ما بينا أن امرأة الفار ترث استحسانا ، وإنما يثبت حكم الفرار بتعلق حقها بماله ، وإنما يتعلق بمرض يخاف منه الهلاك غالبا كما إذا كان صاحب الفراش وهو أن يكون بحال لا يقوم بحوائجه كما يعتاده الأصحاء ، وقد يثبت حكم الفرار بما هو في معنى المرض في توجه الهلاك الغالب ، وما يكون الغالب منه السلامة لا يثبت به حكم الفرار ، فالمحصور والذي في صف القتال الغالب منه السلامة لأن الحصن لدفع بأس العدو وكذا المنعة فلا يثبت به حكم الفرار ، والذي بارز أو قدم ليقتل الغالب منه الهلاك فيتحقق به الفرار ولهذا أخوات تخرج على هذا الحرف ، وقوله إذا مات في ذلك الوجه أو قتل دليل على أنه لا فرق بين ما إذا مات [ ص: 152 ] بذلك السبب أو بسبب آخر كصاحب الفراش بسبب المرض إذا قتل .

التالي السابق


( قوله ومن كان محصورا إلخ ) الحاصل أن مبنى الفرار على الطلاق حال توجه الهلاك الغالب عنده ، وغلبة الهلاك تكون حال عدم المرض كما تكون به وتوجهه بغيره يكون بالمبارزة والتقدمة للرجم والقتل قصاصا ، أو في سفينة فتلاطمت الأمواج وخيف الغرق أو انكسرت وبقي على لوح أو افترسه سبع فبقي في فمه ، بخلاف ما إذا كان محصورا في حصن أو في صف القتال أو محبوسا للقتل أو نازلا في مسبعة أو في مخيف من العدو أو راكب سفينة دون ما قلنا ، والمرأة في جميع ذلك كالرجل ، فلو باشرت سبب الفرقة فيما ذكرناه من أحوال الفرار كخيار البلوغ والعتق وتمكين ابن الزوج والارتداد فإنه يرثها على ما بيناه آنفا .

والحامل لا تكون فارة إلا في حال الطلق .

وقال مالك : إذ تم لها ستة أشهر ثبت حكم فرارها لتوقع الولادة في كل ساعة .

قلنا : المناط ما يخاف منه الهلاك ولا يخاف منه إلا في الطلق ، وتوجهه بالمرض قيل : أن لا يقدر أن يقوم إلا بأن يقام ، وقيل إذا خطا ثلاث خطوات من غير أن يهادى فصحيح وإلا فمريض .

وضعف بأن المريض جدا لا يعجز أن يتكلف لهذا القدر ، وقيل أن لا يقدر أن يمشي إلا أن يهادى ، وقيل أن لا يقوم بحوائجه في البيت كما تعتاده الأصحاء وإن كان يتكلف ، والذي يقضيها فيه وهو يشتكي لا يكون فارا لأن [ ص: 152 ] الإنسان قلما يخلو عنه ، فأما من يذهب ويجيء ويحم فلا وهو الصحيح ، فأما إذا أمكنه القيام بها في البيت لا في خارجه فالصحيح أنه صحيح ، هذا في حق الرجل .

أما المرأة فإذا لم يمكنها الصعود إلى السطح فهي مريضة ، والمسلول والمفلوج والقعد ما دام يزداد ما به فهو غالب الهلاك وإلا فكالصحيح ، وبه كان يفتي برهان الأئمة والصدر الشهيد .

وقيل إن كان لا يرجى برؤه بالتداوي فكالمريض وإلا فكالصحيح .

وقيل ما كان يزداد أبدا ، لا إن كان يزداد تارة ويقل أخرى ، ولو قرب للقتل فطلق ثم خلى سبيله أو حبس ثم قتل أو مات فهو كالمريض ترثه لأنه ظهر فراره بذلك الطلاق ثم ترتب موته فلا يبالي بكونه بغيره .

واعلم أن قوله وما يكون الغالب منه السلامة لا يثبت به حكم الفرار يقتضي إلحاق حالة الطلق للحامل والمبارزة بحال الصحة إلا أن يبرز لمن علم أنه ليس من أقرانه ، فالأولى أن يعلق ما هو في حكم مرض الموت بما يخاف منه الموت غالبا كما ذكره في المرض ، على أنه غالبا متعلق بالخوف وإن لم يكن الواقع غلبة الهلاك فتأمل ، وأما في حالة فشو الطاعون فهل يكون لكل من الأصحاء حكم المرض فقاله الشافعية ولم أره لمشايخنا




الخدمات العلمية