الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 174 ] ( والمطلقة الرجعية تتشوف وتتزين ) لأنها حلال للزوج إذ النكاح قائم بينهما ، ثم الرجعة مستحبة والتزين حامل له عليها فيكون مشروعا (ويستحب لزوجها أن لا يدخل عليها حتى يؤذنها أو يسمعها خفق نعليه ) معناه إذا لم يكن من قصده المراجعة لأنها ربما تكون متجردة فيقع بصره على موضع يصير به مراجعا ثم يطلقها فتطول العدة عليها ( وليس له أن يسافر بها حتى يشهد على رجعتها ) وقال زفر رحمة الله تعالى عليه : له ذلك لقيام النكاح ، ولهذا له أن يغشاها عندنا . ولنا قوله تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن } الآية ، ولأن تراخي عمل المبطل لحاجته إلى المراجعة ، فإذا لم يراجعها حتى انقضت العدة ظهر أنه لا حاجة له فتبين أن المبطل عمل عمله من وقت وجوده ولهذا تحتسب الأقراء من العدة فلم يملك الزوج الإخراج إلا أن يشهد على رجعتها فتبطل العدة ويتقرر ملك الزوج . وقوله حتى يشهد على رجعتها [ ص: 175 ] معناه الاستحباب على ما قدمناه

التالي السابق


( قوله تتشوف ) التشوف خاص بالوجه والتزين عام من شفت الشيء جلوته ودينار مشوف : أي مجلو وهو أن تجلو وجهها وتصقله ( قوله إذ النكاح قائم بينهما ) وكذا جميع أحكامه من التوارث .

ولو قال كل امرأة لي طالق تدخل هذه المطلقة فتطلق سوى المسافرة بها فإنها تحرم على الزوج لنص فيها على خلاف القياس وهو قوله تعالى { ولا تخرجوهن من بيوتهن } نزلت في الرجعية لسياق الآية وهو قوله تعالى { لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } أي يبدو له أن يراجعها ، ولحرمتها بهذا النص لم تجعل رجعة لأن الرجعة مندوبة والمسافرة بها حرام .

قيل ولا دلالتها لأن الكلام فيمن يصرح بعدم رجعتها .

وأورد عليه أن التقبيل بشهوة ونحوه يكون نفسه رجعة وإن نادى على نفسه بعدم الرجعة ، وجوابه الفرق بالحل والحرمة [ ص: 175 ] كما قلنا ، وكما لا يحل لها السفر لا يحل الخروج بها إلى ما دونه لأن الحرمة ليست منوطة بالسفر بل بالخروج ، وكما يكره السفر بها تكره الخلوة إذ قد ينظر نظرا يصير به مراجعا وهو لا يريد الرجعة فيطلقها أخرى فيؤدي إلى تطويل العدة عليها وذلك حرام .

وقال السرخسي : إنما تكره الخلوة إذا لم يأمن غشيانها إذ يصير مراجعا لها بغير إشهاد وهو مكروه ، ومقتضى هذا أنه إذا أمن لا يكره ، وأن كراهة الخلوة حينئذ تنزيهية ، ولم يلتفت شمس الأئمة إلى التعليل باحتمال النظر الذي يصير به مراجعا كأنه لبعده جدا حيث كان إنما هو النظر إلى داخل الفرج ، وقل أن يقع مع الخلوة ، حتى إن الإنسان يكون مع زوجته التي هي في عصمته سنين لا يقع له هذا النظر إلا إن تعمده قصدا حالة الجماع ، لكن الوجه الذي ذكره المصنف وهو قوله لأن تراخي عمل المبطل : يعني الطلاق وعمله قطع النكاح لحاجته : أي لحاجة الزوج إلى المراجعة فإذا لم يراجعها حتى انقضت المدة : أي العدة ظهر أنه لا حاجة إلى الرجعة فتبين أن المبطل عمل الإبانة من وقت وجوده وأن مسافرته بها كانت بأجنبية كما يقتضي قصر كراهة المسافرة على تقدير ما إذا لم يراجعها بعد ذلك في العدة كذلك يقتضي حرمة الخلوة بها إن لم يكن قصده الرجعة ، ويقتضي أنه لو راجعها ظهرت حاجته ، وأن المبطل لم يعمل أصلا فيتبين أن الخلوة والمسافرة لم يكونا بأجنبية ، والدليل على أن عمله من وقت وجوده احتساب الأقراء الماضية قبل انقضاء العدة من العدة ، فلو كان المبطل مقتصرا على انقضائها لم تحتسب واحتيج إلى عدة مستأنفة .

والأوجه تحريم السفر مطلقا لإطلاق النص في منع السفر بها دون الخلوة لعدم النص وقصور المعنى وهو لزوم المراجعة بالنص على ما تقدم ولزوم ظهور أن الخلوة بأجنبية غير ضائر إذ حالة تحققها كانت زوجة يباح معها شرعا ما يباح من الزوجة




الخدمات العلمية