الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا لم يستطع المظاهر الصيام أطعم ستين مسكينا ) لقوله تعالى { فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا } ( ويطعم كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير أو قيمة ذلك ) لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أوس بن الصامت وسهل بن صخر :

[ ص: 269 ] { لكل مسكين نصف صاع من بر } ولأن المعتبر دفع حاجة اليوم لكل مسكين فيعتبر بصدقة الفطر ، وقوله أو قيمة ذلك مذهبنا وقد ذكرناه في الزكاة

التالي السابق


( قوله وإذا لم يستطع الصيام ) أي لمرض لا يرجى زواله أو كبر ( قوله أو قيمة ذلك ) أي من غير ما نص عليه ، فلو دفع منصوصا عن منصوص آخر بطريق القيمة لم يجز إلا أن يبلغ المدفوع الكمية المقدرة منه شرعا . مثاله دفع نصف صاع تمر تبلغ قيمته نصف صاع بر أو صاعا من البر أو أقل من نصف صاع بر عن صاع تمر وقيمته تبلغه لم يجز ، فلو كان التمر صاعا دفعه عن نصف صاع بر جاز . وهذا لأن الاعتبار في المنصوص عليه لعين النص لا لمعناه ، ولو جاز ذلك في الاعتبار لزم إبطال التقدير المنصوص عليه في كل صنف وهو باطل ، ثم إذا فعله فالواجب عليه أن يتم للذين أعطاهم القدر المقدر من ذلك الجنس الذي دفعه لهم ، فإن لم يجدهم بأعيانهم استأنف في غيرهم .

لا يقال : لو كسا عشرة مساكين في كفارة اليمين ثوبا واحدا عن الإطعام جاز عنه إذا كانت قيمة نصيب كل منهم قدر قيمة الإطعام مع أن كلا منهما منصوص عليه .

قلنا : المنصوص عليه الكسوة لا الثوب ، غير أنها لا تتحقق إلا بالثوب ، فلما لم يصب كلا ثوب لم يكن فاعلا لهذه الخصلة المنصوصة : أعني الكسوة أصلا لا أنه فاعل لها بطريق القيمة عن منصوص آخر ، إذ لا كسوة إلا بثوب يصير به مكتسيا فيكون فاعلا غير المنصوص بطريق القيمة عن المنصوص ( قوله في حديث أوس بن الصامت وسهل بن صخر ) وصوابه سلمة بن صخر ، والحديث غريب عنهما .

وعند الطبراني في حديث أوس بن الصلت قال : { فأطعم ستين مسكينا ثلاثين صاعا ، قال : لا أملك ذلك إلا أن تعينني ، فأعانه النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر [ ص: 269 ] صاعا ، وأعانه الناس حتى بلغ } انتهى . ومقتضاه أنه كان برا لأن التمر والشعير يجزي منه صاع .

وقدمنا عن أبي داود من طريق ابن إسحاق عن معمر بن عبد الله بن حنظلة عن يوسف بن عبد الله بن سلام في حديث { أوس بن الصامت قال صلى الله عليه وسلم فإني سأعينه بعرق من تمر ، قالت امرأته : يا رسول الله وأنا أعينه بعرق آخر ، قال : أحسنت } قال فيه : والعرق ستون صاعا . وأخرج عنه أيضا الحديث بهذا الإسناد إلا أنه قال : والعرق مكتل يسع ثلاثين صاعا

، وهذا أصح لأنه لو كان ستين لم يحتج إلى معاونتها أيضا بعرق آخر في الكفارة وأخرج أبو داود عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : العرق زنبيل يأخذ عشر صاعا ، وهذه معارضة في أنه كان المخرج تمرا أو برا ، والله تعالى أعلم .

وأما الذي في حديث سلمة بن صخر البياضي قال { فأطعم وسقا من تمر بين ستين مسكينا ، قال : والذي بعثك بالحق لقد بتنا وحشيين ما أملك لنا طعاما ، قال : فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر وكل أنت وعيالك بقيتها } الحديث أخرجه أحمد وأبو داود . ويكفي ما أثبتناه في صدقة الفطر من أن الواجب من البر نصف صاع ، إذ لا قائل بالفرق في كمية المخرج في الصدقات الواجبة




الخدمات العلمية