الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا اغتسلت ونسيت شيئا من بدنها لم يصبه الماء ، فإن كان عضوا فما فوقه لم تنقطع الرجعة ، وإن كان أقل من عضو انقطعت ) قال رضي الله عنه : وهذا استحسان . والقياس في العضو الكامل أن لا تبقى الرجعة لأنها غسلت الأكثر . والقياس فيما دون العضو أن تبقى لأن حكم الجنابة والحيض لا يتجزأ . ووجه الاستحسان وهو الفرق أن ما دون العضو يتسارع إليه الجفاف لقلته فلا يتيقن بعدم وصول الماء إليه ، فقلنا بأنه تنقطع الرجعة ولا يحل لها التزوج أخذا بالاحتياط فيهما ، بخلاف العضو الكامل [ ص: 170 ] لأنه لا يتسارع إليه الجفاف ولا يغفل عنه عادة فافترقا . وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى : أن ترك المضمضة والاستنشاق كترك عضو كامل . وعنه وهو قول محمد رحمة الله تعالى عليه : هو بمنزلة ما دون العضو لأن في فرضيته اختلافا بخلاف غيره من الأعضاء .

التالي السابق


( قوله وإن كان أقل من عضو انقطعت ) وذلك كنحو الأصبع ، كذا في المحيط والينابيع ، وكذا بعض الساعد والعضد والعضو الكامل كاليد والرجل ( قوله والقياس في العضو ، إلى قوله : والقياس فيما دون العضو ) الحاصل أن الحكم الثابت في العضو وما دونه استحسان ، فالقياس في العضو أن تنقطع لأن للأكثر حكم الكل وفي بعض العضو أن لا تنقطع لأنها لم تخرج إلى حكم الطاهرات .

ولا يخفى تأتي كل من القياسين في كل من العضو وما دونه فيقتضي أن يتعارض في كل منهما قياسان : قياس أن للأكثر حكم الكل فيوجب انقطاع الرجعة ، وقياس بقاء الحدث بعينه فيوجب عدم انقطاعها .

ومبنى وجه الاستحسان على اعتبار القياس الثاني ، إذ حاصله اعتبار ظهور عدم إصابة الماء لشيء وعدمه ، فإذا ظهر عدمه لم تنقطع الرجعة ، وإذا ظهر ثبوت الإصابة انقطعت غير أن ظهور الترك يتحقق في العضو لا في الأقل .

على أن كون أن للأكثر حكم الكل قياسا ممنوع ، بل إنما [ ص: 170 ] يحكم به في مواضع خاصة بخصوص دلائل فيها لا أنه مطرد شرعا ممهد .

ثم وجه التفصيل المذكور أن ما دون العضو يتسارع الجفاف إليه بعد إصابة الماء غير بعيد ، وبتقديره تنقطع الرجعة ، فحكم بانقطاعها بناء على هذا الاحتمال احتياطا ، ولم يجز لها أن تتزوج بآخر حتى تغسل ذلك الموضع احتياطا في أمر الفروج ، حتى إنها لو تيقنت عدم إصابة الماء بأن علمت قصدها إلى إخلاء ذلك الموضع عن الإصابة .

قلنا : لا تنقطع الرجعة ، بخلاف العضو الكامل فإن احتمال جفافه بعد الإصابة يبعد فيه جدا لأن الغفلة عنه ممن هو بصدد تعميم جميع الأعضاء في غاية البعد فلم يظهر أثره فلم تنقطع ( قوله وعن أبي يوسف أن ترك المضمضة والاستنشاق كترك العضو ) الواو بمعنى أو إذ ترك كل بانفراده كترك عضو ، وعنه وهو قول محمد كترك ما دون العضو ( قوله لأن في فرضيتهما ) أي في فرضية المضمضة والاستنشاق في الغسل اختلافا فعلى تقدير الافتراض لا تنقطع الرجعة ، وعلى تقدير السنة تنقطع ، فقطعناها ملاحظة لهذا الاحتمال احتياطا ، ولو بقي أحد المنخرين لم تنقطع الرجعة




الخدمات العلمية