الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 482 ] ولا يضمنه قيمة ما ملكه بالضمان من جهة الساكت لأن ملكه يثبت مستندا وهو ثابت من وجه دون وجه ، فلا يظهر في حق التضمين .

التالي السابق


( قوله ولا يضمنه ) أي لا يضمن المدبر المعتق ( قيمة ما ملكه بالضمان من جهة الساكت ) وهو ثلثه قنا فيكون قد ضمنه ثلثي قيمته ثلثها قنا وثلثها مدبرا ( لأن ملكه فيه ) أي في ثلثه قنا ( يثبت مستندا ) إلى وقت التدبير ( وهو ثابت من وجه ) وهو بالنظر إلى حال أداء الضمان ( دون وجه ) وهو بالنظر إلى الحقيقة حال التدبير ( فلا يظهر في حق التضمين ) بل الملك الممكن من الضمان هو الثابت حال العتق . واستشكل بما إذا أعتق أحد الشريكين وهو موسر فضمنه الساكت فإنه يرجع به على العبد مع ثبوت الملك له مستندا .

أجيب بأنه لما انتقل نصيب الساكت إليه قام مقام الساكت وكان للساكت الاستسعاء ، فكذا للمعتق ، أما هنا فليس للساكت تضمين المعتق فكذا ليس القائم مقامه وهو المدبر ، ولذا كان للمدبر استسعاء العبد كما كان للساكت القائم هو مقامه . ولا يخفى أن هذا لا يدفع الوارد على قوله : إن الملك المستند لا ينتهض سببا للتضمين ، إذ قد ثبت التضمين به للعبد غير أن المدبر وجد فيه مانع منه وهو قيام مقام الساكت الذي لا ضمان له على المعتق ، فكان الأوجه أن يقال من الابتداء لا يضمنه ما ضمن للساكت لأنه بالضمان له قائم مقامه ، وليس له أن يضمن المعتق ذلك الثلث فكذا ليس للقائم مقامه ، بخلاف ثلث نفسه : أعني ثلث المدبر فإنه لم يقم فيه مقام أحد .

ويمكن أن يدفع ورود أصل السؤال بأن الكلام في أن الملك المستند لا ينهض سببا لضمان مفسده كالمعتق المفسد بإعتاقه ملك المدبر في نصيب الساكت . والرجوع على العبد ليس تضمينا لمفسد الملك المستند لأن العبد ليس مفسدا شيئا بل تضمينه لقيامه بالضمان للساكت مقام الساكت وللساكت أن يضمنه ، فكذا من صار الملك له وقام مقامه . [ ص: 483 ] واعلم أنه لو لم يعتق المعتق إلا بعد أداء المدبر الضمان للساكت كان للمدبر تضمينه ما ضمنه من ثلث قيمته عبدا مع ثلثه مدبرا لأن الإعتاق وجد بعد تملك المدبر نصيب الساكت فله تضمين كل ثلث بصفته ، كذا عللوا . والوجه على هذا أن يقال في أصل التعليل : ليس له أن يضمن المعتق ما ضمنه ، لأنه لم يكن له فيه ملك حال عتق المعتق وإن لم يدفع الوارد أيضا لأنه ظهر ملكه حال العتق بأداء الضمان مستندا ، ويحتاج إلى تتميمه بقولنا فيكون ثابتا حال الإعتاق من وجه دون وجه ، ويعود السؤال بعتق أحد الشريكين ويدفع بما ذكرنا من عدم وروده . هذا وأورد الطلبة على هذا أنه ينبغي أن يضمنه قيمة ثلثيه مدبرا لأنه حين ملك ثلث الساكت بالضمان صار مدبرا لا قنا ، ولذا قلنا في وجه كون ثلثي الولاء له لأنه صار كأنه دبر ثلثيه ابتداء . والجواب لا يتم إلا بمنع كون الثلث الذي ملكه بالضمان للساكت صار مدبرا بل هو قن على ملكه ، إذ لا موجب لصيرورته مدبرا لأن ظهور الملك الآن لا يوجبه والتدبير يتجزأ ، وذكرهم إياه في وجه كون ثلثي الولاء له غير محتاج إليه ، إذ يكفي فيه أنه باق على ملكه حين أعتق الآخر وأدى الضمان ، وإنما لم يكن ولاؤه له لما ذكرنا من أنه ضمان جناية لا تملك .




الخدمات العلمية