الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو قال لها وهي أمة لغيره : أنت طالق ثنتين مع عتق مولاك إياك فأعتقها مولاها ملك الزوج الرجعة ) لأنه علق التطليق بالإعتاق أو العتق لأن اللفظ ينتظمهما والشرط ما يكون معدوما على خطر الوجود [ ص: 44 ] وللحكم تعلق به والمذكور بهذه الصفة والمعلق به التطليق لأن في التعليقات يصير التصرف تطليقا عند الشرط عندنا ، وإذا كان التطليق معلقا بالإعتاق أو العتق يوجد بعده ثم الطلاق يوجد بعد التطليق فيكون الطلاق متأخرا عن العتق فيصادفها وهي حرة فلا تحرم حرمة غليظة بالثنتين . بقي شيء وهو أن كلمة مع للقران . قلنا : قد تذكر للتأخر كما [ ص: 45 ] في قوله تعالى { فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا } فتحمل عليه بدليل ما ذكرنا من معنى الشرط .

التالي السابق


( قوله وإن قال ) أي الزوج لها ( وهي أمة لغيره أنت طالق ثنتين مع عتق مولاك إياك فأعتقها ملك الرجعة لأنه علق التطليق ) إذ هو السبب ( حقيقة بالإعتاق أو العتق لأن اللفظ ) أعني العتق ( ينتظمهما ) أي ينتظم الإعتاق الذي هو فعله والعتق الذي هو وصفها أثر له ، ومعنى الانتظام هاهنا صحة إرادة كل منهما به على البدل لا على الشمول لمنع انتظام اللفظ الواحد المعنى الحقيقي والمعنى المجازي في إطلاق [ ص: 44 ] واحد ، والإعتاق معنى مجازي للعتق من استعارة اسم الحكم للعلة ، وعلى هذا فإعماله في لفظ إياك على اعتبار إرادة الفعل به إعمال المستعار للمصدر أو على اعتبار إعمال اسم المصدر كأعجبني كلامك زيدا ، وأما على التجويز الآخر وهو أن يراد العتق الذي هو أثر فمشكل لأنه قاصر ، وإنما يعمل في المفعول المتعدي وجعل العامل العتق اسما للمصدر يرده إلى الوجه الأول لأنه يصير معبرا به عن الإعتاق فلم يكن التعليق إلا بالإعتاق فقط .

والوجه الثاني هو أن لا يكون كذلك ، بل عن العتق ، هذا معنى الإشكال المذكور في الكافي لحافظ الدين ، والعجب مما نقل في جوابه من قول من قال : ليس بمشكل لأنه لما علق التطليق بالإعتاق يلزم منه تعليقه بالعتق الحاصل منه وأين هذا من صحة الإعمال . وأيضا كان الوجه أن يقول المصنف بالإعتاق ، والعتق بالواو لا بأو .

وحاصل تقرير المسألة أن مع قد تذكر للمتأخر تنزيلا لا منزلة المقارن لتحقق وقوعه بعده ونفي الريب عنه كما في الآية { إن مع العسر يسرا } فصارت إن محتملة لذلك وإن كانت حقيقتها خلافه فيصار إليه بموجب وقد تحقق ، وهو إناطة ثبوت حكم على ثبوت معنى مدخولها المعدوم حال التكلم وهو على خطر الوجود فإن الإناطة كذلك هو معنى التعليق ومعنى مدخولها المعدوم كائنا على خطر الوجود من حيث هو مناط بوجود حكم هو معنى الشرط فلزم كون الإعتاق أو العتق شرطا للتطليق ، فإن كان الإعتاق فيوجد تطليق الثنتين بعده مقارنا للمتأخر عن الإعتاق ويقع الطلاق المتأخر عن التطليق بعده فيصادفها حرة فيملك الزوج الرجعة وإن كان العتق فأظهر ، هذا تقرير المصنف .

وقيل عليه المعلول مع العلة يقترنان كالكسر مع الانكسار في الخارج ، فالعتق مع الإعتاق والطلاق مع التطليق يقترنان ، بل الوجه أنه قرن الطلاق بالإعتاق فيكون مقرونا بالعتق وهو ضد الرق ، ووجود أحد الضدين مستلزم زوال الضد الآخر ، ولا ينبني زواله على وجود الآخر ، إذ لا يصح أن يقال : وجد السكون فزالت الحركة أو وجد الحركة فزال السكون لأنه يستلزم اجتماع الضدين ، بل وجود أحدهما يقترن بزوال الآخر فيثبت زوال الرق مع العتق فيقع الطلاق عليها حال وجود العتق وهي حالة زوال الرق ، فلا توجب التطليقتان حرمة غليظة في الحرة فيملك الرجعة ، وهذا [ ص: 45 ] ينبني على أحد القولين في أن المعلول مع العلة يقترنان في الخارج أو يتعقبهما بلا فصل وعلى أن حالة الدخول في الوجود كحالة الوجود بعد تقرره وعدم خروج مع عن المقارنة ، وأطبق العقلاء على أن الشيء زمن ثبوته ليس بثابت وأنت قد علمت أن المعنى على خروجها وتقرر الشرط والجزاء يعقبه إذا ليس هو علة ، فليس العتق علة للطلاق بل علة الطلاق تعمل عنده ، وسنذكر ما عندنا في العلة والمعلول . وأورد على هذا ما لو قال لأجنبية : أنت طالق مع نكاحك حيث يأتي فيه التقرير المذكور مع أنه لا يقع إذا تزوجها . وأجيب بأنه للمانع وهو عدم ملكه ذلك وإنما يملك اليمين ، فإذا لزم بذكر حروفه : أعني إن ونحوه بأن قال : إن تزوجتك فأنت طالق صح ضرورة صحة اليمين ، ومرجع هذا إلى أنه إنما يملك التعليق الصريح قبل النكاح ، بخلاف ما بعده . ولقائل أن يقول : الدليل إنما قام على ملكه اليمين المضافة إلى الملك فتعلق بما يوجب معناها كيفما كان اللفظ ، والتقييد بلفظ خاص بعد تحقق المعنى تحكم ولذا قال في الدراية : هذا الجواب لم يتضح لي فإنه يملك تعليق الطلاق بالنكاح ، ويمكن تصحيح كلامه على اعتبار معنى الشرط فينبغي أن يحمل عليه .




الخدمات العلمية