الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وعلى المعتدة أن تعتد في المنزل الذي يضاف إليها بالسكنى حال وقوع الفرقة والموت ) لقوله تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن } والبيت المضاف إليها هو البيت الذي تسكنه ، ولهذا لو زارت أهلها وطلقها زوجها كان عليها أن تعود إلى منزلها فتعتد فيه وقال عليه الصلاة والسلام للتي قتل زوجها { اسكني في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله } ( وإن كان نصيبها من دار الميت لا يكفيها فأخرجها الورثة من نصيبهم ) انتقلت ، لأن هذا انتقال بعذر ، والعبادات تؤثر فيها الأعذار [ ص: 345 ] فصار كما إذا خافت على متاعها أو خافت سقوط المنزل أو كانت فيما بأجر ولا تجد ما تؤديه .

التالي السابق


( قوله ولهذا ) أي لأن البيت المضاف إليها هو الذي تسكنه لو زارت أهلها والزوج معها أو لا فطلقها كان عليها أن تعود إلى منزلها ذلك فتعتد .

( قوله وقال صلى الله عليه وسلم ) تأييدا للاستدلال بالكتاب بأن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ثبت على وفق ما قلنا : إنه مدلول الكتاب ، وهو ما أخرج أصحاب السنن الأربعة عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب { عن ذريعة بنت مالك بن سنان وهي أخت أبي سعيد الخدري أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة وأن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا حتى إذا كان بطرف القدوم لحقهم فقتلوه ، قالت : فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي فإن زوجي لم يترك لي مسكنا يملكه ولا نفقة ، فقالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم قالت : فانصرفت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أمر بي فنوديت له فقال : كيف قلت ؟ قالت : فرددت عليه القصة التي ذكرت له من شأن زوجي ، قال : امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله ، قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا ، قالت : فلما كان عثمان أرسل إلي فسألني عن ذلك فأخبرته فاتبعه } انتهى .

ورواه مالك في الموطأ وابن حبان في صحيحه ، وأخرجه الحاكم عن إسحاق بن سعيد بن كعب بن عجرة حدثتني زينب به . قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد من الوجهين جميعا [ ص: 345 ] ولم يخرجاه . قال محمد بن يحيى الذهلي : هذا حديث صحيح محفوظ . وهما اثنان : سعيد بن إسحاق وهو أشهرهما وإسحاق بن سعد بن كعب ، وقد روى عنهما جميعا يحيى بن سعيد الأنصاري ، وقد ارتفعت عنهما الجهالة انتهى .

وقول ابن حزم زينب بنت كعب مجهولة لم يرو حديثها غير سعيد بن إسحاق وهو غير مشهور بالعدالة دفعه ابن القطان بأن الحديث صحيح ، فإن سعيد بن إسحاق ثقة وممن وثقه النسائي وزينب كذلك ثقة .

وقال الترمذي : حديث صحيح وفي تصحيحه توثيقهما ، ولا يضر الثقة أن لا يروي عنه إلا واحد ، وقد قال ابن عبد البر : إنه حديث مشهور فوجب اعتباره والعمل به ، وأما ما روى الدارقطني { أنه صلى الله عليه وسلم أمر المتوفى عنها زوجها أن تعتد حيث شاءت } فقال فيه : لم يسنده غير أبي مالك النخعي وهو ضعيف . وقال ابن القطان ومحبوب بن محرز أيضا ضعيف وعطاء بن المسيب مختلط ، وأبو بكر بن مالك أضعفهم ، فلذلك أعله الدارقطني به .

وذكر الجمع أصوب لاحتمال أن تكون الجناية من غيره انتهى كلامه .

( قوله وصار كما إذا خافت على متاعها اللصوص إلخ ) أي فإنها تخرج ; لأنه عذر . وإذا خرجت إلى منزل للعذر صار الثاني كالأول فلا تخرج منه إلا لعذر وتعيين الموضع الذي تنتقل إليه في عدة الطلاق إلى الزوج وفي عدة الوفاة إليها لأنها مستبدة في أمر السكنى حتى أن أجرة المنزل إن كان بأجر عليها وعليها أن تسكن فيه إلا أن لا تجد الكراء وتجد ما هو بلا كراء فلها أن تتحول إليه ، وكذا في الزوج الغائب ، ولا تخرج المعتدة إلى صحن الدار التي فيها منازل الأجانب لأنه كالخروج إلى السكة ، ولهذا يقطع السارق بإخراج المتاع إليه ، فإن لم يكن في الدار منازل بل بيوت جاز لها الخروج إلى صحنها ولا تصير به خارجة عن الدار وتبيت في أي بيت شاءت منها .




الخدمات العلمية