الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو قال وهو بالبصرة والله لا أدخل الكوفة وامرأته بها لم يكن موليا ) لأنه يمكنه القربان من غير شيء يلزمه بالإخراج من الكوفة [ ص: 203 ] ( قال : ولو حلف بحج أو بصوم أو بصدقة أو عتق أو طلاق فهو مول ) لتحقق المنع باليمين وهو ذكر الشرط والجزاء ، وهذه الأجزية مانعة لما فيها من المشقة . وصورة الحلف بالعتق أن يعلق بقربانها عتق عبده ، وفيه خلاف أبي يوسف فإنه يقول : يمكنه البيع ثم القربان فلا يلزمه شيء وهما يقولان البيع موهوم [ ص: 204 ] فلا يمنع المانعية فيه ، والحلف بالطلاق أن يعلق بقربانها طلاقها أو طلاق صاحبتها وكل ذلك مانع .

التالي السابق


( قوله ولو قال وهو بالبصرة ) إذا حلف لا يقربها في مكان معين هي فيه أو زمان معين وهو في غيرهما ، إن كان بينهما قدر أربعة أشهر كان موليا على ما فرع قاضي خان والمرغيناني فإنهما قالا : لو كان بينهما مسيرة أربعة أشهر ففيؤه باللسان ولم يعتبر إمكان خروج كل منهما إلى الآخر فيلتقيان في أقل من ذلك ، وعلى ما في جوامع الفقه يعتبر أن يكون بينهما ثمانية أشهر ، فإنه قال لو كان في بلد وزوجته في بلد فحلف لا يدخله وبينهما أقل من ثمانية أشهر لا يصير موليا لجواز أنهما يخرجان فيلتقيان في أقل من أربعة أشهر فيقربها ، وإن كان بينهما أقل من ذلك لم يكن موليا عند الأئمة الأربعة إلا في رواية عن أحمد وهو قول ابن أبي ليلى فإنه يكون موليا ، فإن تركها أربعة أشهر بانت بتطليقة ، وينبغي أن يصير موليا على قول كل من قدمنا عند انعقاد الإيلاء إذا حلف على أقل من أربعة أشهر كما قال ابن أبي ليلى وغيره .

وكذا إذا قال والله لا أقربك إلا في المحرم وهو في شوال أو حتى تفطمي ولدك وإلى مدة الفطام أقل من أربعة أشهر ، والوجه المذكور للجمهور بناء على ما تقدم هناك من أن المولي من لا يمكنه القربان في الأربعة الأشهر إلا بشيء يلزمه وليس فليس ، وقد بحثنا هناك أن هذا فرع كون أقل مدة ينعقد الإيلاء بالحلف عليها أربعة أشهر ، وبالضرورة إنهم لا يلتزمون ذلك إلا أن يجعل هذا أصلا ممهدا في مذهب المانعين بعد ثبوت عدم انعقاده لأقل من أربعة أشهر بدليله من أقوال الصحابة فتعلل به الأحكام المذهبية لا عند قصد الإثبات على المخالف .

ثم أورد على هذا الأصل لو قال والله لا أقربكن لأربع نسوة فإنه مول ، فإذا تركهن في المدة طلقن ، ولو قرب ثلاثا [ ص: 203 ] منهن لا يلزمه شيء فثبت أن إمكان القربان بغير شيء لا يمنع صحة الإيلاء . أجيب بما حاصله أن الإيلاء متعلق بمنع الحق في المدة وقد وجد في هذه المسألة فيكون موليا منهن ، وعدم لزوم شيء لعدم الحنث لأن الحنث بفعل المحلوف عليه وذلك بقربانهن ، والموجود قربان بعضهن .

وحاصل هذا تخصيص اطراد الأصل بما إذا حلف على واحدة بأدنى تأمل ( قوله ولو حلف بحج إلخ ) بأن يقول إن قربتك فعلي حج أو عمرة أو صدقة أو صيام أو هدي أو اعتكاف أو يمين أو كفارة يمين أو فأنت طالق أو هذه لزوجة أخرى أو فعبدي حر أو فعلي عتق لعبد مبهم فهو مول . أما لو قال فعلي صوم هذا الشهر مثلا فليس بمول لأنه يمكنه ترك القربان إلى أن يمضي ذلك ثم يطؤها بلا شيء يلزمه ، بخلاف قوله فعلي صوم يوم .

ولو قال فعلي اتباع جنازة أو سجدة تلاوة أو قراءة القرآن أو الصلاة في بيت المقدس أو تسبيحة فليس بمول .

ونقل في الصلاة خلاف محمد ، فعنده يكون موليا لأنها مما يلزم بالنذر . وتقدم أول الباب ما يجاب به عنه . ويجب صحة الإيلاء فيما لو قال فعلي مائة ركعة ونحوه مما يشق عادة ، وكذا خلافه ثابت في مسألة الغزو المذكورة أول الباب . فإن قلت : ينبغي في الصلاة في بيت المقدس أن يكون موليا اتفاقا لما فيه من مشقة السفر كالحج .

قلنا : نعم لو لزم من نذر الصلاة في بيت المقدس أن لا يسقط إلا بالصلاة فيه ، لكن المذهب أن له أن يصليها في غيره ويسقط النذر به على ما عرف . ولو قال فعلي أن أتصدق على هذا المسكين بهذا الدرهم أو مالي هبة في المساكين لا يصح إلا أن ينوي التصدق به . ولو قال فكل مملوك أشتريه فيما يستقبل حر صار موليا عندهما خلافا لأبي يوسف وهو رواية عنهما ، وكذا لو قال فكل امرأة أتزوجها فهي طالق يصير موليا عندهما خلافا لأبي يوسف .

ولو قال كل امرأة أتزوجها من أهل الإسلام يصير موليا . وعلى هذا لو قال لا أقربك حتى أعتق عبدي أو حتى أطلق فلانة أو حتى أطلقك يصير موليا عندهما خلافا له لأنه يمكنه القربان بلا شيء بأن لا يشتري عبدا ولا يتزوج وبتقديم الغاية .

قلنا لم يمكنه إلا بضرر لازم إذ اللزوم لأجل قربانها كاللزوم به .

واعلم أن الأصل أنه متى جعل ليمينه غاية لا توجد في المدة كقوله والله لا أقربك حتى تطلع الشمس من مغربها أو حتى يخرج يأجوج ومأجوج أو ينزل عيسى عليه الصلاة والسلام أو حتى يخرج الدجال أو الدابة فهو مول استحسانا بناء على الظاهر وإن احتمل القرب وقت التكلم به ، وكذا إذا كانت الغاية لا تتصور مع بقاء النكاح كقوله حتى أموت أو تموتي أو أقتلك أو تقتليني أو أبينك وإن كانت توجد في المدة لكنها تصلح جزاء نحو حتى أعتق عبدي أو أطلق فلانة كان موليا عندهما خلافا لأبي يوسف وقد عرفت الوجه ( قوله وفيه خلاف أبي يوسف ) أي في ثبوت الإيلاء بالحلف بعتق عبده المعين ، فإن ضمير فيه لعتق عبده وهو المعين لا المبهم ، فإن تعليله لا يتم فيه ( قوله البيع موهوم ) أي غير مقدور له بنفسه لتوقفه على غيره من المشترين ، وقد لا يجد مشتريا في المدة فتمضي [ ص: 204 ] قبل وجوده ، بخلاف الإخراج من الكوفة لأنه مقدور له وهو وإن توقف على امتثالها أيضا لكن امتثالها واجب والوجوب طريق الوجود ، بخلاف امتثال المشتري ، وإذا كان موهوما فلا يمنع المانعية الكائنة في الجزاء وهو عتق العبد بالقربان .

ولو باع هذا العبد سقط الإيلاء لأنه صار بحال يمكنه قربانها بغير شيء . ولو ملكه بسبب شراء أو غيره عاد الإيلاء من وقت الملك إن لم يكن وطئها قبله ، فإن كان وطئها قبل تجدد الملك لم يعد لسقوط اليمين . ولو مات العبد قبل البيع سقط الإيلاء لقدرته على الوطء بغير شيء ، وعلى هذا التفصيل موت المرأة المعلق طلاقها أو إبانتها ثم تزوجها




الخدمات العلمية