الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو قال : أنت طالق واحدة في ثنتين ونوى الضرب والحساب أو لم تكن له نية فهي واحدة ) وقال زفر : تقع ثنتان لعرف الحساب ، وهو قول الحسن بن زياد . ولنا أن عمل الضرب أثره في تكثير الأجزاء لا في زيادة المضروب ، وتكثير أجزاء الطلقة لا يوجب تعددها ( فإن نوى واحدة وثنتين فهي ثلاث ) لأنه يحتمله فإن حرف الواو للجمع والظرف يجمع المظروف ، ولو كانت غير مدخول بها تقع واحدة كما في قوله واحدة وثنتين ، [ ص: 23 ] وإن نوى واحدة مع ثنتين تقع الثلاث لأن كلمة " في " تأتي بمعنى " مع " كما في قوله تعالى { فادخلي في عبادي } أي مع عبادي ، ولو نوى الظرف تقع واحدة ، لأن الطلاق لا يصلح ظرفا فيلغو ذكر الثاني ( ولو قال اثنتين في اثنتين ونوى الضرب والحساب فهي ثنتان ) وعند زفر ثلاث لأن قضيته أن تكون أربعا ، لكن لا مزيد للطلاق على الثلاث .

وعندنا الاعتبار المذكور الأول على ما بيناه

التالي السابق


( قوله ولو قال : أنت طالق واحدة في ثنتين ونوى الضرب والحساب ) عالما بعرف الحساب ( فهي واحدة ) ففيما إذا لم تكن له نية أولى أن تقع واحدة . وقال زفر والحسن بن زياد : يقع ثنتان بعرف الحساب ، وهو قول مالك والشافعي في وجه إذا لم يعرف الحساب لكنه قصد موجبه عند الحساب ، فلو كان ممن يعرف الحساب وقصد موجبه عندهم وقع ثنتان وجها واحدا ، وبه قال أحمد . وعندنا يقع واحدة بكل حال .

وجه قول زفر أن عرفهم فيه تضعيف أحد العددين بعدد الآخر ، فقوله واحدة في ثنتين كقوله واحدة مرتين أو ثنتين مرة وثنتين في ثنتين ثنتين مرتين فكأنه قال : طالق أربعا فيقع الثلاث ، فالإلزام بأنه لو كان كذلك لم يبق فقير في الدنيا لا معنى له أصلا ، لأن ضربه درهمه مثلا في مائة ألف إن كان على معنى الإخبار كقوله عندي درهم في مائة فهو كذب ، وإن كان على الإنشاء كجعلته في مائة لا يمكن لأنه لا ينجعل بقوله ذلك مائة فليس ذلك الكلام بشيء ( قوله أثره في تكثير المضروب لا في زيادة العدد ) والطلقة التي جعل لها أجزاء كثيرة لا تزيد على طلقة ، ولا يخفى أن هذا لا معنى له بعد قولنا إن عرف الحساب في التركيب اللفظي كون أحد العددين مضعفا بعدد الآخر ، فإن العرف لا يمنع ، والفرض أنه تكلم بعرفهم وأراده فصار كما لو أوقع بلغة أخرى فارسية أو غيرها وهو يدريها ( قوله فإن نوى واحدة وثنتين ) بقوله واحدة في ثنتين وهي مدخول بها وقعت ثلاثة لأنه يحتمله ، فإن حرف الواو للجمع والظرف يجمع المظروف فصح أن يراد به معنى الواو ، ولو كانت غير مدخول [ ص: 23 ] بها وقعت واحدة كما لو قال لها : أنت طالق واحدة وثنتين ، وإن نوى معنى لفظة مع وقعت ثلاث عليها مدخولا بها كانت أو غير مدخول بها ، كما لو قال لغير المدخول بها : طالق واحدة مع ثنتين ، وإرادة معنى لفظة مع بها ثابت كما في قوله تعالى { فادخلي في عبادي } أي مع عبادي .

وفي الكشاف أن المراد في جملة عبادي ، وقيل في أجساد عبادي ، ويؤيده قراءة ( في عبدي ) فهي على حقيقتها على هذا ، ولا يخفى أن تأويلها مع عبادي ينبو عنه { وادخلي جنتي } فإن دخوله معهم ليس إلا إلى الجنة ، فالأوجه أن يستشهد على ذلك بنحو قوله تعالى { ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة } وعن الاحتمال المذكور لو وقع مثله في الإقرار بأن قال : له علي عشرة في عشرة وادعى الخصم الجميع : أي مجموع الحاصل على الاصطلاح يحلفه القاضي أنه ما أراد الجميع ، أما لو أراد معنى الظرف لغا ولم يقع إلا المذكور أولا ، ففي واحدة في ثنتين واحدة وفي ثنتين في ثنتين ثنتان اتفاقا ، لأن الطلاق لا يصلح لحقيقة الظرف فيلغو الثاني .




الخدمات العلمية