الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا ولدت المعتدة ولدا لم يثبت نسبه عند أبي حنيفة إلا أن يشهد بولادتها رجلان أو رجل وامرأتان إلا أن يكون هناك حبل ظاهر أو اعتراف من قبل الزوج فيثبت النسب من غير شهادة . وقال أبو يوسف ومحمد : يثبت في الجميع بشهادة امرأة واحدة ) لأن الفراش قائم بقيام العدة [ ص: 357 ] وهو ملزم للنسب والحاجة إلى تعيين الولد أنه منها فيتعين بشهادتها كما في حال قيام النكاح . ولأبي حنيفة أن العدة تنقضي بإقرارها بوضع الحمل ، والمنقضي ليس بحجة فمست الحاجة إلى إثبات النسب ابتداء فيشترط كمال الحجة ، بخلاف ما إذا كان ظهر الحبل أو صدر الاعتراف من الزوج لأن النسب ثابت قبل الولادة والتعين يثبت بشهادتها ( فإن كانت معتدة عن وفاة فصدقها الورثة في الولادة ولم يشهد على الولادة أحد فهو ابنه في قولهم جميعا ) وهذا في حق الإرث ظاهر لأنه خالص حقهم فيقبل فيه تصديقهم ، أما في حق النسب هل يثبت في حق غيرهم . قالوا : إذا كانوا من أهل الشهادة يثبت لقيام الحجة ولهذا قيل : تشترط لفظة الشهادة ، وقيل لا تشترط لأن الثبوت في حق غيرهم تبع للثبوت في حقهم بإقرارهم ، وما ثبت تبعا لا يراعى فيه الشرائط .

التالي السابق


( قوله وإذا ولدت المعتدة ولدا لم يثبت نسبه عند أبي حنيفة إلا أن يشهد بولادتها رجلان أو رجل وامرأتان ) أو يعلم اعتراف من الزوج بالولادة أو يكون الحبل ظاهرا فيثبت النسب بلا شهادة ، وإطلاق المصنف يشمل المعتدة عن وفاة وعن طلاق بائن أو رجعي فيوافق تصريح قاضي خان وفخر الإسلام بجريان الخلاف في الرجعي ، وشمس الأئمة قيد صورة المسألة بأن يكون الطلاق بائنا فقال : لو أن رجلا طلق امرأته ثلاثا أو تطليقا بائنا ثم جاءت بولد بعد الطلاق لسنتين أو أقل وشهدت امرأة على الولادة والزوج ينكر الولادة والحبل لم يلزمه النسب في قول أبي حنيفة ما لم يشهد به رجلان أو رجل وامرأتان ، ونحوه فعل صاحب المختلف حيث قال : شهادة القابلة على الولادة لا تقبل إلا بمؤيد إلى قوله حتى أن المعتدة عن وفاة إذا كذبها الورثة في الولادة وفي الطلاق البائن إذا كذبها الزوج إلى آخر ما ذكره . واتفقوا على قيد إنكار الزوج ، وكذا لو وقع إنكار الولادة والحبل من الورثة ، فعندهما يثبت بشهادة امرأة حرة عدلة ويرث بذلك ، ويشترط لفظة الشهادة على قولهما عند مشايخ خراسان لأنها موجبة حقا على الغير ولا يشترط عند العراقيين قياسا على العدد .

وقوله في جميع ذلك : أي فيما إذا كان حبل ظاهر أولا أو اعتراف من الزوج أولا وهل يقبل شهادة رجل واحد عندهما ؟ قيل : نعم ، ولا [ ص: 357 ] يفسق كما لو شهد رجلان أو رجل وامرأتان .

وفي جامع قاضي خان : وعلى هذا الخلاف كل ما لم يطلع عليه الرجال وأجمع علماؤنا على أنه يقضى بالنسب بشهادة الواحدة عند قيام النكاح ، وحقيقة الحال أنه يثبت تعيين الولد بهذه الشهادة والنسب بقيام الفراش . وإذا تقرر أن النكاح بعد الرجعي قائم من كل وجه يتجه تقييد الخلاف بالبائن كما نقله شمس الأئمة ، ويكون الرجعي كالعصمة القائمة حتى حل الوطء ودواعيه ، والخلاف إنما هو بعد الموت وبالطلاق البائن وبقولهما قال أحمد . وعند الشافعي يشترط أربع نسوة عدول . وعند مالك وابن أبي ليلى امرأتان .

وجه قولهما أن الفراش قائم بقيام العدة ( وهو ) أي الفراش ( ملزم للنسب ) فيما تأتي به كما قبل الطلاق ( والحاجة [ ص: 358 ] إلى ) شهادة المرأة ( لتعيين الولد ) فيتعين بشهادتها على الولادة كما قبل الطلاق اقتصر المصنف على هذا القدر فيثبت النسب والجامع قيام الفراش ( وله أن العدة تنقضي بإقرارها بوضع الحمل ) فصارت أجنبية ، والفراش المنقضي ليس بحجة ليصلح مؤيدا للحجة الضعيفة : أعني شهادة المرأة الواحدة فكانت الحاجة ماسة إلى إثبات النسب ابتداء ، وذلك بكمال النصاب على ولادتها المتصلة بفراشيتها المستلزمة لثبوت النسب لكونها في وقت يلزم منه ثبوت النسب شرعا ، بخلاف ما إذا كان الحبل ظاهرا قبل دعواها أو صدر الاعتراف به من الزوج أو كان الفراش قائما وقت دعواها الولادة ، لأن النسب ثابت قبل الولادة لما في البطن ، وقيام الحمل ظاهرا أو اعترافا ، وكذا قيام الفراش يؤيد شهادة القابلة به ، وقولهما لا يطلع عليه الرجال ممنوع بل يطلع عليه فيما إذا دخلت المرأة بحضرتهم بيتا يعلمون أنه ليس فيه غيرها ثم خرجت مع الولد فيعلمون أنها ولدته ، وفيما إذا لم يتعمدوا النظر بل وقع اتفاقا ، وبهذا يندفع ما قد أورد من أن شهادة الرجال تستلزم فسقهم فلا تقبل . والحاصل أن حقيقة محل الخلاف أن شهادة المرأة الواحدة فيما لا يطلع عليه الرجال عادة كالولادة وغيرها هل تكفي للإثبات أو لا بد أن تتأيد بمؤيد فالوجه أن يجعل الاستدلال عليه .

ولهما فيه قوله صلى الله عليه وسلم { شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه } فإنه يتناول الواحدة لأنه جنس .

وأما الوجه الذي ذكراه فتمامه بإلغاء الفارق بينه وبين المقيس عليه من حال قيام الفراش وهو يدفعه بأنه لا يلزم من جوازها مع مؤيد جوازها بدونه ويبقى عليه إطلاق الحديث ، والمعروف منه ما رواه ابن أبي شيبة عن الزهري مرسلا : { مضت السنة أن تجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن من ولادات النساء وعيوبهن . وتجوز شهادة القابلة وحدها في الاستهلال وامرأتان فيما سوى ذلك } ، وهذا حجة ; لأنه مرسل . وإنما قلنا : إنه مرسل لأن قول الراوي مضت السنة إنما يكون حكمه الرفع إذا كان صحابيا وهو هنا ليس صحابيا ، وحديث الدارقطني عن محمد بن عبد الملك الواسطي عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة { أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة } ، وإن كان بين ابن عبد الملك والأعمش رجل مجهول وهو أبو عبد الرحمن المدايني فقد تظافرا وقوي ما هو حجة به ، ولو كانت معتدة عن وفاة فادعت الولادة فصدقها الورثة عليها ولم يشهد بها أحد فهو ابن الميت في قولهم جميعا ، وهذا في حق الإرث ظاهر لأنه خالص حقهم فيقبل تصديقهم فيه ، أما في حق ثبوت النسب من الميت ليظهر في حق الناس كافة . قالوا : إذا كانوا أي الورثة من أهل الشهادة بأن يكونوا ذكورا أو ذكورا مع إناث وهم عدول ثبت لقيام الحجة فيشارك المقرين منهم والمنكرين ويطالب غريم الميت بدينه ، وعن هذا قيل : يشترط لفظة الشهادة : أي في مجلس الحكم من الورثة لقيام الحجة . وقيل : لا يشترط هو الصحيح ، لأن الثبوت في حق غيرهم تبع للثبوت في حقهم ، ولا يراعى للتبع شرائطه إذا ثبت أصالة ، وعلى هذا فلو لم يكونوا من أهل الشهادة لا يثبت النسب إلا في حق المقرين منهم ، والله أعلم .




الخدمات العلمية