الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 446 ] قوله ( ومن كان قارنا أو مفردا أحببنا له أن يفسخ إذا طاف وسعى ، ويجعلها عمرة ; لأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك ) . اعلم أن فسخ القارن ، والمفرد حجهما إلى العمرة : مستحب بشرط له ، نص عليه ، وعليه الأصحاب قاطبة . وعبر القاضي ، وأصحابه ، والمجد ، وغيرهم : بالجواز وأرادوا فرض المسألة مع المخالف . قاله في الفروع ، وهو من مفردات المذهب . لكن المصنف هنا ذكر الفسخ بعد الطواف والسعي ، وقطع به الخرقي ، والمصنف في المغني ، والشارح ، وصاحب الفائق ، وقدمه الزركشي ، وقال : هذا ظاهر الأحاديث ، وعن ابن عقيل : الطواف بنية العمرة : هو الفسخ ، وبه حصل رفض الإحرام لا غير ، فهذا تحقيق الفسخ وما ينفسخ به ، قال الزركشي : قلت : وهذا جيد ، والأحاديث لا تأباه . انتهى .

وقال في الهداية وتبعه في المذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والرعايتين ، والحاويين ، وغيرهم ، وهو معنى كلام القاضي وغيره : للقارن والمفرد أن يفسخا نسكهما إلى العمرة ، بشرط أن لا يكونا وقفا بعرفة ، ولا ساقا هديا ، فلم يفصحوا بوقت الفسخ ، بل ظاهر كلامهم : جواز الفسخ ، سواء طافا وسعيا أو لا ، إذا لم يقفا بعرفة ، قال الزركشي : ولا يغرنك كلام ابن منجى ، فإنه قال : ظاهر كلام المصنف : أن الطواف والسعي شرط في استحباب الفسخ . قال : وليس الأمر كذلك ; لأن الأخبار تقتضي الفسخ قبل الطواف والسعي ; لأنه إذا طاف وسعى ثم فسخ : يحتاج إلى طواف وسعي لأجل العمرة ، ولم يرد مثل ذلك ، قال : ويمكن تأويل كلام المصنف على أن " إذا " ظرف لأحببنا له أن يفسخ وقت طوافه . أي وقت جواز طوافه . انتهى كلام ابن منجى ، وغفل عن كلام الخرقي [ ص: 447 ] والمصنف في المغني والشارح وكلام القاضي ، وأبي الخطاب وغيرهما لا يأبى ذلك ، قال الزركشي : وليس في كلامهم ما يقتضي أنه يطوف طوافا ثانيا . كما زعم ابن منجى . انتهى .

قلت : قال في الكافي : يسن لهما إذا لم يكن معهما هدي أن يفسخا نيتهما بالحج ، وينويا عمرة ، ويحلا من إحرامهما بطواف وسعي وتقصير ; ليصيرا متمتعين . انتهى . قال الزركشي : وقول ابن منجى " إن الأخبار تقتضي الفسخ قبل الطواف والسعي " ليس كذلك . بل قد يقال : إن ظاهرها : أن الفسخ إنما هو بعد الطواف . ويؤيده حديث جابر ، فإنه كالنص ، فإن الأمر بالفسخ إنما هو بعد طوافهم . انتهى . وقال في الفروع : لهما أن يفسخا نيتهما بالحج . زاد المصنف : إذا طافا وسعيا . فينويان بإحرامهما ذلك عمرة مفردة ، فإذا فرغا منها وحلا أحرما بالحج ، ليصيرا متمتعين ، وقال في الانتصار ، وعيون المسائل : لو ادعى مدع وجوب الفسخ لم يبعد ، وقال الشيخ تقي الدين : يجب على من اعتقد عدم مساغه . نقله في الفائق . قوله ( إلا أن يكون قد ساق هديا ، فيكون على إحرامه ) . هذا شرط في صحة فسخ القارن والمفرد حجهما إلى العمرة على الصحيح من المذهب . ويأتي حكاية بعد هذا ، ويشترط أيضا : كونه لم يقف بعرفة ، قاله الأصحاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية