الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 470 ] فائدة : قوله ( وله شم العود والفواكه والشيح والخزامى ) . بلا نزاع ، وكذا كل نبات الصحراء ، وما ينبته الآدمي لا لقصد الطيب كالحناء والعصفر . وكذا القرنفل والدارصيني ونحوها .

قوله ( وفي شم الريحان والنرجس والورد والبنفسج والبرم ونحوها والادهان بدهن غير مطيب في رأسه : روايتان ) . شمل كلام المصنف شيئين . أحدهما : الادهان بدهن غير مطيب ، والثاني : شم ما عدا ذلك . مما ذكره ونحوه ، وهو ينقسم إلى قسمين . أحدهما : ما ينبته الآدمي للطيب ، ولا يتخذ منه طيب ، كالريحان الفارسي ، والنمام ، والبرم ، والنرجس ، والمرزجوش ونحوها ، فالصحيح من المذهب : أنه يباح شمه ، ولا فدية فيه . قال في الفروع : اختاره الأصحاب ، وقدمه ابن رزين . وإدراك الغاية ، وجزم به في الإفادات ، والمنور . والمنتخب ، وغيرهم ، وعقود ابن البنا ، والرواية الثانية : يحرم شمه ، وفيه الفدية ، وصححه في النظم . وصحح في التصحيح : أنه لا شيء في شم الريحان . وأوجب الفدية في شم النرجس ، والبرم ، وهو غريب أعني التفرقة بين الريحان وغيره وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والهادي ، والتلخيص ، والشرح ، والفروع ، والمحرر ، والرعايتين ، والحاويين ، والفائق ، والمذهب الأحمد ، والزركشي . وذكر القاضي وغيره : أنه يحتمل أن المذهب رواية واحدة : لا فدية فيه ، وأن قول أحمد " ليس من آلة المحرم " للكراهية ، وذكر القاضي أيضا : رواية أخرى : أنه يحرم شم ما نبت بنفسه فقط .

القسم الثاني : ما ينبت للطيب ، ويتخذ منه طيب ، كالورد والبنفسج ، [ ص: 471 ] والخيري وهو المنثور واللينوفر ، والياسمين . وهو الذي يتخذ منه الزئبق ، فالصحيح من المذهب : أنه يحرم شمه ، وعليه الفدية إن شمه ، اختاره القاضي ، والمصنف ، والشارح . قال في الفروع : وهو أظهر ، كماء الورد ، وصححه في النظم ، والتصحيح ، والكافي ، وقدمه ابن رزين ، وجزم به في الوجيز ، وابن البنا في عقوده ، والرواية الثانية : أنه يباح شمه ، ولا فدية ، وجزم به في الإفادات ، والمنور ، والمنتخب ، وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والهادي ، والتلخيص ، والمحرر ، والرعايتين ، والحاويين ، والفائق ، والمذهب الأحمد ، والزركشي .

تنبيهان . الأول : مراده بالريحان : الريحان الفارسي ، صرح به الأصحاب ، وقال في إدراك الغاية : وله شم ريحان ، وعنه بري .

الثاني : تابع المصنف أبا الخطاب في حكاية الروايتين في جميع ذلك ، وتابع أبا الخطاب أيضا : صاحب المذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والتلخيص ، والمذهب الأحمد ، والمحرر ، والرعايتين ، والحاويين ، والفائق وغيرهم ، وحكى المصنف في الكافي في الريحان الفارسي : الروايتين ، ثم قال : وفي سائر النبات الطيب الرائحة ، الذي لا يتخذ منه طيب : وجهان . قياسا على الريحان ، وقدم ابن رزين : أن جميع القسمين فيه وجهان : في الريحان وغيره . ثم قال وقيل : في الجميع الروايتان . انتهى . فتلخص للأصحاب في حكاية الخلاف : ثلاث طرق [ فائدة : الريحان وغيره ونحوه كأصله على الصحيح من المذهب ، وقدمه في الفروع ، وفي الفصول احتمال بالمنع كماء ورد ، وقال في الفروع : ويتوجه عليه انتهى ] أما الادهان بدهن لا طيب فيه ، كالزيت والشيرج ، ودهن البان الساذج [ ص: 472 ] ونحوها ، فالصحيح من المذهب والروايتين : جواز ذلك ، ولا فدية فيه ، نص عليه ، وصححه في التصحيح ، والرعاية الكبرى ، وجزم به في المبهج ، والإفادات ، والوجيز ، والمنور ، ونظم المفردات وغيرهم ، قال ناظم المفردات . أو يدهن في رأسه بالشيرج أو زيت المنصوص لا من خرج وقدمه في الفروع ، والمحرر ، وصححه ابن البنا في عقوده ، والرواية الثانية : عدم الجواز ، فإن فعل فعليه الفدية . قال في الفروع : ذكر القاضي : أنه اختيار الخرقي .

قلت : قال الخرقي في مختصره : لا يدهن بما فيه طيب ، ولا ما لا طيب فيه ، فعطفه على ما فيه الفدية ، والظاهر : التساوي . ويأتي في التنبيه . الثالث : قال القاضي : هذه الرواية نص الروايتين ، وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والهادي ، والتلخيص ، والترغيب ، والرعاية الصغرى ، والنظم ، والحاويين ، والفائق ، وابن منجى في شرحه ، والشرح ، ولكن إنما حكى الخلاف في التحريم وعدمه . لا في وجوب الفدية .

تنبيهات . الأول : شمل قول المصنف " الادهان بدهن غير مطيب " الزيت والشيرج ، والسمن والشحم ، والبان الساذج ، وذكره جماعة كثيرة ، واقتصر القاضي وابن عقيل على الزيت والشيرج . وذكر جماعة : أن السمن كالزيت . الثاني : ظاهر قوله " في رأسه " أن الخلاف مخصوص بالرأس فقط ، وفي غيره : يجوز ، وهو اختيار المصنف في المغني ، والشارح ، وتبعهما ابن منجى ، وناظم المفردات . كما تقدم ، قال في الفروع : فكان ينبغي أن يقول " والوجه " ولهذا قال بعض أصحابنا [ ص: 473 ] في دهن شعره " فلم يخص الرأس ، وقال القاضي وغيره : الروايتان في رأسه ويديه .

قلت : وعلى هذا الأكثر ، كالمصنف في الكافي ، وصاحب الرعايتين ، والحاويين ، والفائق ، والمحرر ، والتلخيص ، والهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة وغيرهم . قال الزركشي : هذه طريقة الأكثرين . قلت : ورد النص عن أحمد بالمنع في الرأس ، فلذلك اقتصر عليه المصنف ومن أجرى الخلاف في جميع البدن : نظر إلى تعليل الإمام أحمد بالشعث ، وهو موجود في البدن ، وفي الرأس أكثر .

الثالث : حيث قلنا بالتحريم ، فإن الفدية تجب ، على ظاهر كلام الأصحاب قاله الزركشي . قال ، وكذلك قال القاضي في تعليقه : إنه ظاهر كلام أحمد ; لأنه منع منه ، واختيار الخرقي . انتهى . قلت : جزم به في الفروع ، ولم يوجب المصنف الفدية على كلا الروايتين . وقال : هو ظاهر كلام الإمام أحمد . وجزم به في الشرح ، والحاويين ، وقد ذكر ذلك القاضي أيضا في تعليقه ، لكنه جعل المنع من أحمد بمعنى الكراهة من غير فدية .

التالي السابق


الخدمات العلمية