الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( ملل ) ( هـ ) فيه " إكلفوا من العمل ما تطيقون ، فإن الله لا يمل حتى تملوا " معناه : أن الله لا يمل أبدا ، مللتم أو لم تملوا ، فجرى مجرى قولهم : حتى يشيب الغراب ، ويبيض القار .

                                                          وقيل : معناه : أن الله لا يطرحكم حتى تتركوا العمل ، وتزهدوا في الرغبة إليه ، فسمى الفعلين مللا ، وكلاهما ليسا بملل ، كعادة العرب في وضع الفعل موضع الفعل ، إذا وافق معناه نحو قولهم :

                                                          ثم أضحوا لعب الدهر بهم وكذاك الدهر يودي بالرجال

                                                          فجعل إهلاكه إياهم لعبا .

                                                          وقيل : معناه : أن الله لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله . فسمى فعل الله مللا ، على طريق الازدواج في الكلام ، كقوله تعالى : وجزاء سيئة سيئة مثلها وقوله : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه وهذا باب واسع في العربية ، كثير في القرآن .

                                                          * وفيه " لا يتوارث أهل ملتين " الملة : الدين ، كملة الإسلام ، والنصرانية ، واليهودية . وقيل : هي معظم الدين ، وجملة ما يجيء به الرسل .

                                                          [ ص: 361 ] * وفي حديث عمر " ليس على عربي ملك ، ولسنا بنازعين من يد رجل شيئا أسلم عليه ، ولكنا نقومهم الملة على آبائهم خمسا من الإبل " الملة : الدية ، وجمعها ملل .

                                                          قال الأزهري : كان أهل الجاهلية يطئون الإماء ويلدن لهم ، فكانوا ينسبون إلى آبائهم ، وهم عرب ، فرأى عمر أن يردهم على آبائهم فيعتقون ، ويأخذ من آبائهم لمواليهم ، عن كل واحد خمسا من الإبل .

                                                          وقيل : أراد من سبي من العرب في الجاهلية وأدركه الإسلام وهو عند من سباه أن يرده حرا إلى نسبه ، وتكون عليه قيمته لمن سباه ، خمسا من الإبل .

                                                          ( س ) ومنه حديث عثمان " أن أمة أتت طيئا فأخبرتهم أنها حرة ، فتزوجت فولدت ، فجعل في ولدها الملة " أي يفتكهم أبوهم من موالي أمهم .

                                                          وكان عثمان يعطي مكان كل رأس رأسين ، وغيره يعطي مكان كل رأس رأسا وآخرون يعطون قيمتهم بالغة ما بلغت .

                                                          ( هـ ) وفيه " قال له رجل : إن لي قرابات أصلهم ويقطعونني ، وأعطيهم فيكفرونني ، فقال له : إنما تسفهم المل " المل والملة : الرماد الحار الذي يحمى ليدفن فيه الخبز لينضج ، أراد : إنما تجعل الملة لهم سفوفا يستفونه ، يعني أن عطاءك إياهم حرام عليهم ، ونار في بطونهم .

                                                          ( هـ ) ومنه حديث أبي هريرة " كأنما تسفهم المل " .

                                                          * وفيه " قال أبو هريرة : لما افتتحنا خيبر ، إذا أناس من يهود مجتمعون على خبزة يملونها أي يجعلونها في الملة .

                                                          ( س ) وحديث كعب " أنه مر به رجل من جراد فأخذ جرادتين فملهما " أي شواهما بالملة .

                                                          * وفي حديث الاستسقاء " فألف الله السحاب وملتنا " كذا جاء في رواية لمسلم .

                                                          [ ص: 362 ] قيل : هي من الملل ، أي كثر مطرها حتى مللناها .

                                                          وقيل : هي " ملتنا " بالتخفيف ، من الامتلاء ، فخفف الهمز . ومعناه : أوسعتنا سقيا وريا .

                                                          * وفي قصيد كعب بن زهير :

                                                          كأن ضاحيه بالنار مملول

                                                          أي كأن ما ظهر منه للشمس مشوي بالملة من شدة حره .

                                                          ( س ) وفيه " لا تزال المليلة والصداع بالعبد " المليلة : حرارة الحمى ووهجها .

                                                          وقيل : هي الحمى التي تكون في العظام .

                                                          * وفي حديث المغيرة " مليلة الإرغاء " أي مملولة الصوت . فعيلة بمعنى مفعولة ، يصفها بكثرة الكلام ورفع الصوت ، حتى تمل السامعين .

                                                          ( س ) وفي حديث زيد ، أنه أمل عليه لا يستوي القاعدون من المؤمنين يقال : أمللت الكتاب وأمليته ، إذا ألقيته على الكاتب ليكتبه .

                                                          ( س ) وفي حديث عائشة " أصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - بملل ، ثم راح وتعشى بسرف " ملل - بوزن جمل - موضع بين مكة والمدينة ، على سبعة عشر ميلا من المدينة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية