الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ( مثل ) * فيه " أنه نهى عن المثلة " يقال : مثلت بالحيوان أمثل به مثلا ، إذا قطعت أطرافه وشوهت به ، ومثلت بالقتيل ، إذا جدعت أنفه ، أو أذنه ، أو مذاكيره ، أو شيئا من أطرافه . والاسم : المثلة . فأما مثل ، بالتشديد ، فهو للمبالغة .

                                                          * ومنه الحديث " نهى أن يمثل بالدواب " أي تنصب فترمى ، أو تقطع أطرافها وهي حية .

                                                          زاد في رواية " وأن تؤكل الممثول بها " .

                                                          * ومنه حديث سويد بن مقرن " قال له ابنه معاوية : لطمت مولى لنا فدعاه أبي ودعاني ، ثم قال : امثل منه - وفي رواية - امتثل ، فعفا " أي اقتص منه . يقال : أمثل السلطان فلانا ، إذا أقاده . وتقول للحاكم : أمثلني ، أي أقدني .

                                                          * ومنه حديث عائشة تصف أباها " فحنت له قسيها ، وامتثلوه غرضا " أي نصبوه هدفا لسهام ملامهم وأقوالهم . وهو افتعل ، من المثلة . وقد تكرر في الحديث .

                                                          ( هـ ) ومنه الحديث " من مثل بالشعر فليس له عند الله خلاق يوم القيامة " مثلة الشعر : حلقه من الخدود . وقيل : نتفه أو تغييره بالسواد .

                                                          وروي عن طاوس أنه قال : جعله الله طهرة ، فجعله نكالا .

                                                          ( هـ ) وفيه " من سره أن يمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار " أي يقومون له قياما وهو جالس . يقال : مثل الرجل يمثل مثولا ، إذا انتصب قائما . وإنما نهي عنه لأنه من زي الأعاجم ، ولأن الباعث عليه الكبر وإذلال الناس .

                                                          [ ص: 295 ] ومنه الحديث " فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - ممثلا " يروى بكسر التاء وفتحها : أي منتصبا قائما . هكذا شرح . وفيه نظر من جهة التصريف .

                                                          وفي رواية " فمثل قائما " .

                                                          * وفيه " أشد الناس عذابا ممثل من الممثلين " أي مصور . يقال : مثلت ، بالتثقيل والتخفيف ، إذا صورت مثالا . والتمثال : الاسم منه ، وظل كل شيء : تمثاله . ومثل الشيء بالشيء : سواه وشبهه به ، وجعله مثله وعلى مثاله .

                                                          * ومنه الحديث " رأيت الجنة والنار ممثلتين في قبلة الجدار " أي مصورتين ، أو مثالهما .

                                                          * ومنه الحديث " لا تمثلوا بنامية الله " أي لا تشبهوا بخلقه ، وتصوروا مثل تصويره .

                                                          وقيل : هو المثلة .

                                                          ( س ( هـ ) ) وفيه " أنه دخل على سعد وفي البيت مثال رث " أي فراش خلق .

                                                          ( س ( هـ ) ) ومنه حديث علي " فاشترى لكل واحد منهما مثالين " وقيل : أراد نمطين ، والنمط : ما يفترش من مفارش الصوف الملونة .

                                                          ( س ) ومنه حديث عكرمة " أن رجلا من أهل الجنة كان مستلقيا على مثله " هي جمع مثال ، وهو الفراش .

                                                          * وفي حديث المقدام " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه " يحتمل وجهين من التأويل : أحدهما : أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أعطي من الظاهر المتلو .

                                                          والثاني : أنه أوتي الكتاب وحيا ، وأوتي من البيان مثله : أي أذن له أن يبين ما في الكتاب ، فيعم ، ويخص ، ويزيد ، وينقص ، فيكون في وجوب العمل به ولزوم قبوله ، كالظاهر المتلو من القرآن .

                                                          ( س ) وفي حديث المقداد " قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إن قتلته كنت مثله قبل أن يقول كلمته " أي تكون من أهل النار إذا قتلته ، بعد أن أسلم وتلفظ بالشهادة ، كما كان هو قبل التلفظ بالكلمة من أهل النار ، لا أنه يصير كافرا بقتله .

                                                          [ ص: 296 ] وقيل : معناه : أنك مثله في إباحة الدم ، لأن الكافر قبل أن يسلم مباح الدم ، فإن قتله أحد بعد أن أسلم كان مباح الدم بحق القصاص .

                                                          ( س ) ومنه حديث صاحب النسعة " إن قتلته كنت مثله " جاء في رواية أبي هريرة " أن الرجل قال : والله ما أردت قتله " فمعناه أنه قد ثبت قتله إياه ، وأنه ظالم له ، فإن صدق هو في قوله : إن لم يرد قتله ، ثم قتلته قصاصا كنت ظالما مثله ، لأنه يكون قد قتله خطأ .

                                                          ( هـ ) وفي حديث الزكاة " أما العباس ، فإنها عليه ومثلها معها " قيل : إنه كان أخر الصدقة عنه عامين ، فلذلك قال : " ومثلها معها " .

                                                          وتأخير الصدقة جائز للإمام إذا كان بصاحبها حاجة إليها .

                                                          وفي رواية " قال : فإنها علي ومثلها معها " قيل : إنه كان استسلف منه صدقة عامين ، فلذلك قال : " علي " .

                                                          * وفي حديث السرقة " فعليه غرامة مثليه " هذا على سبيل الوعيد والتغليظ ، لا الوجوب ; لينتهي فاعله عنه ، وإلا فلا واجب على متلف الشيء أكثر من مثله .

                                                          وقيل : كان في صدر الإسلام تقع العقوبات في الأموال ، ثم نسخ .

                                                          وكذلك قوله في ضالة الإبل " غرامتها ومثلها معها " وأحاديث كثيرة نحوه ، سبيلها هذا السبيل من الوعيد . وقد كان عمر يحكم به . وإليه ذهب أحمد ، وخالفه عامة الفقهاء .

                                                          * وفيه " أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل " أي الأشرف فالأشرف ، والأعلى فالأعلى ، في الرتبة والمنزلة . يقال : هذا أمثل من هذا : أي أفضل وأدنى إلى الخير وأماثل الناس : خيارهم .

                                                          * ومنه حديث التراويح " قال عمر : لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل " أي أولى وأصوب .

                                                          * وفيه " أنه قال بعد وقعة بدر : لو كان أبو طالب حيا لرأى سيوفنا قد بسأت بالمياثل " قال الزمخشري : معناه : اعتادت واستأنست بالأماثل .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية