الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) اعلم أنه ( لا تعقل عاقلة جناية عبد ولا عمد ) وإن سقط قوده بشبهة أو قتله ابنه عمدا كما مر ( ولا ما لزم بصلح أو اعتراف ) ولا ما دون نصف عشر الدية لقوله عليه الصلاة والسلام { لا تعقل العواقل وعمدا ولا عبدا [ ص: 644 ] ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما دون أرش الموضحة } بل الجاني " ( إلا أن يصدقوه في إقراره أو تقوم حجة ) وإنما قبلت بالبينة هنا مع الإقرار مع أنها لا تعتبر معه لأنها تثبت ما ليس بثابت بإقرار المدعى عليه وهو الوجوب على العاقلة

التالي السابق


( قوله جناية عبد ) من إضافة المصدر إلى فاعله وأما إذا جنى حر على نفس عبد فسيأتي ط ( قوله ولا عمد ) أي في النفس أو الطرف فإن العمد لا يوجب التخفيف بتحمل العاقلة فوجب القود به قهستاني . [ تنبيه ]

قال في الأشباه : لا تعقل العاقلة العمد إلا في مسألة ما إذا عفا الأولياء ، وصالح فإن نصيب الباقين ينقلب مالا وتتحمله العاقلة ا هـ .

أقول : وقد قدمنا في باب القود فيما دون النفس عن العلامة قاسم أنه خلاف الرواية ولم يقل به أحد ، والذي في سائر الكتب أنه في مال القاتل فتنبه ( قوله أو قتله ابنه عمدا ) الأولى كقتله كما عبر به فيما مر آنفا ليكون تمثيلا للشبهة ، ومنها ما إذا قتلا رجلا وأحدهما صبي أو معتوه والآخر عاقل بالغ أو أحدهما بحديد والآخر بعصا ( قوله ولا ما لزم بصلح ) أي عن دم عمد أو خطأ ا هـ ط فإنه على القاتل حالا إلا إذا أجل قهستاني ( قوله أو اعتراف ) أي بقتل خطأ فإنه على المقر في ثلاث سنين قهستاني ( قوله ولا ما دون نصف عشر الدية ) أي ما دون أرش الموضحة وهو خمسمائة ، وهذا خاص فيما دون النفس ، أما بدل النفس فتحمله العاقلة وإن قل كما لو قتل مائة رجل حرا فعلى عاقلة كل مائة درهم ، أو قتل رجل عبدا قيمته مائة مثلا لزمت العاقلة لأن بدل النفس ثبت بالنص وجوبه على العاقلة ا هـ ملخصا من العناية والكفاية . [ تنبيه ]

قدم الشارح قبيل فصل الجنين أن الصحيح أن حكومة العدل لا تتحملها العاقلة مطلقا : أي وإن بلغت أرش الموضحة وذكر الأتقاني عن الكرخي ، أن العاقلة لا تعقل جناية وقعت جناية وقعت في دار الحرب فالدية في مال الجاني ( قوله لقوله عليه الصلاة والسلام إلخ ) ذكره فقهاؤنا في كتبهم عن ابن عباس موقوفا ومرفوعا لكن قيل إنه من كلام الشعبي قال في القاموس : وقول الشعبي لا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا وليس بحديث كما توهم الجوهري معناه : أن يجني الحر على العبد لا العبد على حر كما توهم أبو حنيفة لأنه لو كان المعنى على ما توهم ، لكان الكلام لا تعقل العاقلة عن عبد ، ولم يكن ولا تعقل عبدا . قال الأصمعي كلمت في ذلك أبا يوسف بحضرة الرشيد ، فلم يفرق بين عقلته وعقلت عنه حتى فهمته ا هـ أي لأنه يقال عقلت القتيل إذا أعطيت ديته وعقلت عن فلان إذا لزمته دية فأعطيتها عنه ، وأجيب بأن عقلته يستعمل بمعنى عقلت عنه ، ويدل عليه السياق ، وهو قوله عمدا وكذا السياق ، وهو ولا صلحا ولا اعترافا لأن معناه عن عمد ، وعن صلح وعن اعتراف تأمل . والأحسن أن يجاب بأنه من الحذف والإيصال ، والأصل عن عبد . [ ص: 644 ] وأقوى دليل على ذلك ما رواه الإمام محمد في موطئه بقوله : حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبد الله بن عتبة بن مسعود ; عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : لا تعقل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما جنى المملوك ا هـ فقد جعل الجاني مملوكا ( قوله بل الجاني ) ليس من لفظ الحديث ، وإنما هو عطف على جملة قوله : واعلم أنه لا تعقل عاقلة جناية عبد إلخ أي بل يتحمل ذلك الجاني وحده : أي ولو حكما كمولى العبد كما أفاده القهستاني ، أو هو عطف على قوله : ولا ما لزم بصلح أو اعتراف وأتى به ليربط قول المصنف إلا أن يصدقوه بما قبله من المتن ( قوله أو تقوم حجة ) هذا إذا أقامها قبل أن يقضي بها القاضي أي بالدية على المقر ، أما لو قضى بها في ماله ثم أقامها ليحولها إلى العاقلة لم يكن له ذلك ، لأن المال قد وجب عليه بقضاء القاضي فلا يكون له أن يبطل قضاءه ببينته صرح به في المبسوط ا هـ رملي ( قوله بإقرار المدعى عليه ) متعلق بثابت وضمير وهو عائد على ما




الخدمات العلمية