الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( لو حفر بئرا في طريق أو وضع حجرا ) أو ترابا أو طينا ملتقى ( فتلف به إنسان ) لأنه سبب ( فإن تلف به ) أي بواحد من المذكورات ( بهيمة ضمن ) في ماله ( إن لم يأذن به الإمام فإن أذن ) الإمام ( في ذلك أو مات واقع في بئر طريق جوعا أو عطشا أو غما لا ) ضمان به يفتى خلاصة خلافا لمحمد ( ولو سقط الميزاب فأصاب ما كان في الداخل رجلا فقتله فلا ضمان ) أصلا لكونه في ملكه فلم يكن تعديا ( وإن أصاب الخارج ) أو وسطه [ ص: 595 ] بزازية ( فالضمان على واضعه ) لتعديه ولو مستأجرا أو مستعيرا وغاصبا ولا يبطل الضمان بالبيع لبقاء فعله وهو الموجب للضمان بخلاف الحائط المائل كما بسطه الزيلعي ( ولو أصابه الطرفان ) من الميزاب ( وعلم ذلك وجب ) على واضعه ( النصف وهدر النصف ولو لم يعلم أي طرف ) منهما ( أصابه ضمن النصف استحسانا ) زيلعي ( ومن نحى حجرا وضعه آخر فعطب به رجل ضمن ) لأن فعل الأول نسخ بفعل الثاني ( كمن حمل على رأسه ) أو ظهره ( شيئا في الطريق فسقط منه على آخر أو دخل بحصير أو قنديل أو حصاة في مسجد غيره ) أي جعل فيه حصى أو بواري ابن كمال ( أو جلس فيه لا للصلاة ) ولو لقرآن أو تعليم ( فعطب به أحد ) كأعمى ضمن خلافا لهما ( لا ) يضمن ( من سقط منه رداء لبسه ) عليه ( أو أدخل هذه ) الأشياء المذكورات ( في مسجد حيه ) [ ص: 596 ] أي محلته لأن تدبير المسجد لأهله دون غيرهم ففعل الغير مباح فيتقيد بالسلامة ( أو جلس فيه للصلاة ) .

الحاصل أن الجالس للصلاة في مسجد حيه أو غيره لا يضمن ، ولغير الصلاة يضمن مطلقا خلافا لهما ، واستظهر في الشرنبلالية معزيا للزيلعي وغيره قولهما وقد حققته في شرح الملتقى .

وفيه لو استأجره ليبني أو ليحفر له في فناء حانوته أو داره فتلف به الأجير وإن بعده فعلى شيء إن قبل فراغه فعلى الآمر كما لو كان في غير فنائه ولم يعلم به الأجير فإن علمه فعليه كما لو أمره بالبناء في وسط الطريق لفساد الأمر ، ولو قال الآمر هو فنائي وليس لي حق الحفر فعلى الأجير قياسا أي لعلمه بفساد الأمر فما أغره وعلى المستأجر استحسانا ا هـ . [ ص: 597 ] قلت : وقد قدم هو وغيره القياس هنا وظاهره ترجيحه سيما على دأب صاحب الملتقى من تقديمه الأقوى فتأمل

التالي السابق


( قوله ملتقى ) زاد في الشرح وكذا كل ما فعل في طريق العامة ا هـ وفي الملتقى أيضا ويضمن من صب الماء في الطريق ما عطب به وكذا إن رشه بحيث يزلق أو توضأ به وإن فعل شيئا من ذلك في سكة غير نافذة وهو من أهلها أو قعد فيها أو وضع متاعه لا يضمن ، وكذا إن رش مالا يزلق عادة أو رش بعض الطريق فتعمد المار المرور عليه لا يضمن الراش ، ووضع الخشبة كالمرور في استيعاب الطريق وعدمه ، وإن رش فناء حانوت بإذن صاحيه فالضمان على الآمر استحسانا ا هـ ( قوله في ماله ) ; لأن العاقلة تتحمل النفس دون المال هداية ( قوله إن لم يأذن به ) أي بما ذكر من إحداث الكنيف والجرصن والدكان ، ووضع الحجر وحفر البئر في الطريق أفاده القهستاني ( قوله الإمام ) أي السلطان قهستاني ( قوله فإن أذن إلخ ) ; لأنه غير متعد حينئذ فإن للإمام ولاية عامة على الطريق إذ ناب عن العامة ، فكان كمن فعله في ملكه قهستاني قال في الدر المنتقى : لكن إنما يجوز الإذن إذا لم يضر بالعامة وتمامه فيه فتنبه ( قوله جوعا أو عطشا ) ; لأنه مات بمعنى في نفسه والضمان إنما يجب إذا مات من الوقوع زيلعي ( قوله أو غما ) أي انخناقا بالعفونة قال في الصحاح يوم غم إذا كان يأخذ النفس من شدة الحر عناية وضبطه في الشرنبلالية بالضم ، ثم نقل عن شرح المجمع الفتح .

( قوله خلافا لمحمد ) فأوجب الضمان في الكل ووافق أبو يوسف الإمام في الجوع لا الغم ط ( قوله أو وسطه ) المراد وسطه الذي هو خارج عن ملك الوضع ; لأن العلة في الضمان هي التعدي بشغل هواء الطريق كما ذكره الزيلعي ، وهو بهذا المعنى يشمله لفظ الخارج ، فلا حاجة إليه ولعله أراد بالخارج الطرف الأخير ، فصح له ذكر الوسط ، ومحل الضمان [ ص: 595 ] فيه وفيما قبله إذا لم يأذن الإمام أو أرباب المحلة كما تقدم ويدل عليه التعليل بالتعدي ا هـ ( قوله فالضمان على واضعه ) أي على عاقلته وكذا يقال بعد ; لأنه تسبب ط ( قوله كما بسطه الزيلعي ) حيث قال ولو أشرع جناحا إلى الطريق أو وضع فيه خشبة ثم باع الكل وتركه المشتري حتى عطب به إنسان ، فالضمان على البائع ; لأن فعله لم ينتسخ بزوال ملكه ، بخلاف الحائط المائل إذا باعه بعد الإشهاد عليه ، حيث لا يضمن المشتري ; لأنه لم يشهد عليه ولا البائع ; لأن الملك شرط لصحة الإشهاد ، فيبطل بالبيع ; لأنه لا يتمكن من نقض ملك الغير ، وهنا الضمان بإشغال هواء الطريق لا باعتبار الملك ، والإشغال باق فيضمن كما لو حصل من مستأجر أو مستعير أو غاصب وفي الحائط لا يضمن المالك ا هـ ملخصا ( قوله استحسانا ) ; لأنه في حال يضمن الكل وفي حال لا يضمن شيئا فيضمن النصف والقياس أن لا يضمن شيئا للشك وتمامه في الزيلعي .

( قوله ومن نحى حجرا ) أي حوله عن موضعه إلى موضع آخر ( قوله فسقط منه على آخر ) وكذا إذا سقط فتعثر به إنسان هداية ; لأن حمل المتاع في الطريق على رأسه أو على ظهره مباح له لكنه مقيد بشرط السلامة بمنزلة الرمي إلى الهدف أو الصيد زيلعي ( قوله أو دخل بحصير أو قنديل أو حصاة إلخ ) أي فسقط الحصير أو القنديل على أحد أو سقط الظرف الذي فيه الحصاة على أحد منح

أقول : وعبارة الهداية وإذا كان المسجد للعشيرة ، فعلق رجل منهم فيه قنديلا ، أو جعل فيه بواري أو حصاه إلخ والظاهر منها أن حصاه فعل ماض مشدد الصاد معطوف على جعل ، ويدل على تفسير ابن كمال ، وأما جعله مفردا بتاء الوحدة فهو بعيد ، وكذا إرادة الظرف أبعد وفي منهيات ابن كمال ومن وهم أن المراد الظرف الذي فيه الحصاة فقد وهم ا هـ وقيد الشرنبلالي الخلاف في الضمان بما إذا فعل ذلك بلا إذن أهل المسجد فلو بإذنهم فلا ضمان اتفاقا كما لو كان من أهل المحلة وعلق القنديل للإضاءة فلو للحفظ ضمن اتفاقا كما في شرح المجمع ا هـ وجعل في البزازية إذن القاضي كإذن أهل المحلة ( قوله في مسجد غيره ) أي مسجد غير حيه ويأتي مفهومه والظاهر أن مسجد الجماعة حكمه في ذلك حكم مسجد حيه فلا يضمن بما ذكر ط ( قوله ولو لقرآن أو تعليم ) ; لأن المسجد بني للصلاة وغيرها تبع لها بدليل أنه إذا ضاق فللمصلي إزعاج القاعد للذكر أو القراءة أو التدريس ; ليصلي موضعه دون العكس ( قوله لا يضمن من سقط منه رداء ألبسه ) أي سقط على إنسان فعطب به أو سقط فتعثر به أشار إليه في الهداية ثم قال : والفرق أي بين المحمول والملبوس ، أن حامل الشيء قاصد حفظه ، فلا حرج في التقييد بوصف السلامة ، واللابس لا يقصد حفظا ما يلبسه ، فيتحرج بالتقييد بالسلامة ; فجعل مباحا مطلقا ، وعن محمد : أنه إذا لبس ما لا يلبسه فهو كالحامل ; لأن الحاجة لا تدعو إلى لبسه ا هـ وكالرداء السيف والطيلسان ونحوهما كما في الغاية .

( قوله عليه ) [ ص: 596 ] متعلق بقوله لبسه لا يصح تعلقه بسقط لفساد المعنى فافهم ( قوله ففعل الغير مباح ) يقيد أن فعل الأهل واجب مثلا ، وليس كذلك بل كلاهما مباح غير أن فعل الأهل مباح مطلق غير مقيد بالسلامة ، وفعل غيره مباح مقيد بها ط ( قوله الحاصل أن الجالس للصلاة إلخ ) ذكر شمس الأئمة أن الصحيح من مذهب أبي حنيفة : أن الجالس لانتظار الصلاة لا يضمن ، وإنما الخلاف في عمل لا يكون له اختصاص بالمسجد كقراءة القرآن ودرس الفقه والحديث ، وذكر في الذخيرة أنه إذا قعد فيه لحديث ، أو نام فيه أو قام فيه لغير صلاة أو مر فيه مار ضمن عنده ، وقالا : لا يضمن ، وإن قعد للعبادة كانتظار الصلاة أو الاعتكاف ، أو قراءة القرآن ، أو للتدريس ، أو للذكر اختلف المتأخرون فيه على قولين بالضمان وعدمه زيلعي ملخصا ( قوله مطلقا ) أي في مسجد حيه أو غيره ( قوله معزيا للزيلعي ) فإنه نقل عن الحلواني : أن أكثر المشايخ أخذوا بقولهما وعليه الفتوى ا هـ ونقل عن صدر الإسلام : أن الأظهر ما قالاه ; لأن الجلوس من ضرورات الصلاة ، فيكون ملحقا بها . وفي العيني بقولهما قالت الثلاثة وبه يفتى ا هـ ط .

( قوله وقد حققته في شرح الملتقى ) حاصله ما قدمناه ، وذكر أيضا أن الجلوس للكلام المحظور فيه الضمان اتفاقا وعليه يحمل ما أطلقه فخر الإسلام ( قوله وفيه لو استأجره إلخ ) ذكر الزيلعي وغيره ما حاصله أنه لو استأجره ليشرع له جناحا في فناء داره ، وقال له ملكي أولى فيه حق الإشراع من القديم ، ولم يعلم الأجير فظهر بخلافه ، فسقط على إنسان قبل الفراغ ، أو بعده . فالضمان على الأجير ، ويرجع على الآمر قياسا واستحسانا وإن أخبره بأن لا حق له في الإشراع ، أو لم يخبره حتى بنى فسقط فأتلف إن قبل الفراغ ضمن ، ولا يرجع وإن بعده فكذلك قياسا بفساد الأمر كما لو أمره بالبناء في الطريق ، وفي الاستحسان يضمن الآمر لصحة الأمر ; لأن فناءه مملوك له من حيث إن له الانتفاع ، بشرط السلامة وغير مملوك من حيث إنه لا يجوز له بيعه ، فمن حيث الصحة يكون قرار الضمان على الآمر بعد الفراغ ، من حيث الفساد يكون على العامل قبل الفراغ ، وإن استأجره ليحفر له في غير فنائه ضمن الآمر دون العامل ، إذا لم يعلم أنه غير فنائه لصحة الأمر حينئذ ، فنقل فعله إلى الآمر ; لأنه غره فإن علم بذلك ضمن إذ لا غرور ، فبقي الفعل مضافا إليه ، ولو قال إنه فنائي وليس لي فيه حق الحفر ضمن العامل قياسا إذ لا غرور وفي الاستحسان يضمن الآمر ا هـ .

زاد في البزازية إن كان بعد الفراغ ا هـ فقد أفاد أن التفصيل قبل الفراغ أو بعده جار في الحفر أيضا كما ذكره الشارح فافهم ، ووجه الفرق بين الحفر والإشراع ، فإن الأجير في الإشراع إذا لم يعلم ضمن ، ورجع على الآمر ; وفي الحفر لم يضمن أصلا هو أن الآمر متسبب ومشرع الجناح مباشر بخلاف الحافر ، فإنه متسبب أيضا والمتسبب يضمن إذا كان متعديا والمتعدي هنا هو الآمر فقط أتقاني ملخصا وفي المغرب : الفناء سعة أمام البيوت وقيل ما امتد من جوانبها ( قوله فما أغره ) [ ص: 597 ] كذا وقع له في شرح الملتقى والفعل متعد بنفسه من غير همز قال في القاموس : غره خدعه ا هـ ط ( قوله وظاهره ) أي التقديم المأخوذ من قدم ترجيحه على الاستحسان ، وهذا وإن ظهر في عبارة الملتقى لا يظهر في عبارة غيره خصوصا صاحب الهداية فإنهما يؤخران دليل المعتمد ، وقد أخر الاستحسان مع دليله أفاده ط




الخدمات العلمية