الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وضمن بضربها وكبحها ) بلجامها لتقييد الإذن بالسلامة ، حتى لو هلك الصغير بضرب الأب أو الوصي للتأديب ضمن لوقوعه بزجر وتعريك .

وقالا : لا يضمنان بالمتعارف .

وفي الغاية عن التتمة : الأصح رجوع الإمام لقولهما ( لا ) يضمن ( بسوقها ) اتفاقا .

وظاهر الهداية أن للمستأجر الضرب للإذن العرفي ، [ ص: 40 ] وأما ضربه دابة نفسه فقال في القنية عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى : لا يضربها أصلا ، ويخاصم فيما زاد على التأديب ( و ) ضمن ( بنزع السرج و ) وضع ( الإيكاف ) سواء وكف بمثله أو لا ( وبالإسراج بما لا يسرج ) هذا الحمار ( وبمثله جميع قيمته ) ولو بمثله أو أسرجها [ ص: 41 ] مكان الإيكاف لا يضمن إلا إذا زاد وزنا فيضمن بحسابه ابن كمال

( كما ) يضمن ( لو استأجرها بغير لجام فألجمها بلجام لا يلجم مثله ) وكذا لو أبدله ; لأن الحمار لا يختلف باللجام وغيره غاية ( أو سلك طريقا غير ما عينه المالك تفاوتا ) بعدا أو وعرا أو خوفا بحيث لا يسلكه الناس ابن كمال ( أو حمله في البحر إذا قيد بالبر مطلقا ) سلكه الناس أو لا لخطر البحر ، فلو لم يقيد بالبر لا ضمان ( وإن بلغ ) المنزل ( فله الأجر ) لحصول المقصود .

التالي السابق


( قوله وكبحها ) بالباء الموحدة والحاء المهملة . في المغرب : كبح الدابة باللجام : إذا ردها ، وهو أن يجذبها إلى نفسه لتقف ولا تجري كذا في المنح ح ( قوله لتقييد الإذن بالسلامة ) ; لأن السوق يتحقق بدون الضرب وإنما تضرب للمبالغة ( قوله ضمن ) أي الدية وعليه الكفارة ، بخلاف ضرب القاضي الحد والتعزير ; لأن الضمان لا يجب بالواجب ط عن الحموي . ( قوله لوقوعه ) أي إنما يضمن ; لأن التأديب يمكن وقوعه بزجر وتعريك بدون ضرب ح .

و التعريك : فرك الأذن ( قوله وقالا لا يضمنان بالمتعارف ) أي الأب والوصي ولا يضمنان بالضرب المتعارف ; لأنه لإصلاح الصغير فكان كضرب المعلم بل أولى ; لأنه يستفيد ولاية الضرب منهما ، والخلاف جار في ضرب الدابة وكبحها أيضا لاستفادته بمطلق العقد ، وهذا بخلاف ضرب العبد المستأجر للخدمة حيث يضمن بالإجماع .

والفرق لهما أنه يؤمر وينهى لفهمه فلا ضرورة إلى ضربه ، وأطلق في ضرب الدابة وكبحها ، وهو محمول على ما إذا كان بغير إذن صاحبها ، فلو بإذنه وأصاب الموضع المعتاد لا يضمن بالإجماع كما في التتارخانية . ( قوله وفي الغاية عن التتمة إلخ ) ظاهره أن رجوعه في مسألة الصغير دون الدابة ، وينبغي أن يكون كذلك ، ; لأن مسألة الدابة جرى عليها أصحاب المتون ، فلو ثبت رجوع الإمام فيها لما مشوا على خلافه ; لأن ما رجع عنه المجتهد لم يكن مذهبا له ، وعلى أن المصنف مشى في كتاب الجنايات على قول الإمام في مسألة الصغير ، وعبر عن رجوعه بقيل وسيأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى . ( قوله لا يسوقها ) أي المعتاد لما في التتارخانية : إذا عنف في السير ضمن إجماعا . ( قوله وظاهر الهداية إلخ ) كذا قاله في البحر ، ولعله أخذه من تعليله الضمان عند الإمام بتقييد الإذن بالسلامة ، فيفيد [ ص: 40 ] أن الضرب مأذون فيه بشرط السلامة : وفي معراج الدراية : وقد صح { أن النبي صلى الله عليه وسلم نخس بعير جابر وضربه } وكان أبو بكر ينخس بعيره بمحجنه ، ثم قال : وفعل النبي صلى الله عليه وسلم يدل على إباحته ، ولا ينفي الضمان ; لأنه مقيد بشرط السلامة ا هـ .

فالحاصل إباحة الضرب المعتاد للتأديب للمالك وغيره ولو غير مستأجر تأمل . ( قوله وأما ضربه دابة نفسه إلخ ) قال في القنية : وعند أبي حنيفة لا يضربها أصلا وإن كانت ملكه ، وكذا حكم ما يستعمل من الحيوانات .

ثم قال : لا يخاصم ضارب الحيوان فيما يحتاج إليه للتأديب ويخاصم فيما زاد عليه ، كذا في البحر .

أقول : الظاهر أن المراد بقول الإمام لا يضربها أصلا . أي لا ينبغي له ذلك ولو للتأديب وإن كان ضرب التأديب المعتاد مباحا ، فلا ينافي ما قدمناه ، ويدل عليه قوله لا يخاصم فيما يحتاج إليه للتأديب .

ونقل ط عن شرح الكنز للحموي قالوا : يخاصم ضارب الحيوان بلا وجه ; لأنه إنكار حال مباشرة المنكر ، ويملكه كل أحد ، ولا يخاصم الضارب بوجه إلا إذا ضرب الوجه فإنه يمنع ولو بوجه .

وهذا معنى قول محمد في المبسوط : يطالب ضارب الحيوان لا بوجهه إلا بوجهه



( قوله وبنزع السرج والإيكاف ) أفاد الحموي والشلبي أن مجرد نزع السرج موجب للضمان .

وفي الجوهرة : استأجرها ليركبها بسرج لم يركبها عريانا ، ولا يحمل متاعا ، ولا يستلقي ، ولا يتكئ على ظهرها ، بل يركب على العرف والعادة ط ملخصا .

بقي لو استأجره عريانا فأسرجه ففي كافي الحاكم يضمن .

وقال الإسبيجابي في شرحه : هذا لو حمارا لا يسرج مثله عادة ، فلو كان يسرج لا يضمن وقال القدوري : فصل أصحابنا وقالوا إن ليركبه خارج المصر لا يضمن ، وكذا لو فيه وهو من ذوي الهيئات وإلا ضمن ، وهل يضمن كل القيمة أو بقدر ما زاد ؟ صحح قاضي خان في شرح الجامع الأول .

قلت : وينبغي كون الأصح الثاني ; لأنه كالحمل الزائد على الركوب غاية البيان ملخصا .

أقول : وفيه نظر ، لما مر أنه لو ركب موضع الحمل ضمن الكل ، وقد نقله الأتقاني نفسه فتدبر .

وفي البحر أن ما في الكافي هو المذهب ; لأنه ظاهر الرواية كما لا يخفى ا هـ . ( قوله ووضع الإيكاف ) لا معنى لتقدير هذا المضاف ، فإن معنى الإيكاف وضع الإكاف ح . أي فقد اشتبه عليه الإيكاف مصدرا بالإكاف الذي هو اسم لما يوضع على ظهر الدابة ، ويمكن الجواب بأن الإضافة بيانية ، والداعي لتقديره المضاف إفادته أنه معطوف على نزع لا على السرج تأمل . ( قوله سواء وكف بمثله أو لا ) ; لأن الجنس مختلف ; لأن الإكاف للحمل والسرج للركوب ، وكذا ينبسط أحدهما على ظهر الدابة ما لا ينبسطه الآخر فصار نظير اختلاف الحنطة والحديد زيلعي ( قوله وبالإسراج ) معطوف على الإيكاف ، والأولى حذف الباء الجارة وعطفه بأو كما في الكنز لئلا يوهم العطف على نزع .

قال ابن الكمال : أي إن نزع السرج وأسرجه بسرج آخر ، فإن كان هذا السرج مما لا يسرج هذا الحمار بمثله يضمن ( قوله جميع قيمته ) أي عند الإمام في رواية الجامع الصغير وقدر ما زاد في رواية الأصل وهو قولهما ، هذا إذا كان الحمار يوكف بمثله ، وإن كان لا يوكف أصلا أو لا يوكف بمثله ضمن كل القيمة عندهم كذا في الحقائق ابن كمال ، ونقل الشرنبلالي أن الفتوى على قولهما .

قال الزيلعي : وتكلموا على معنى قولهما أنه يضمن بحسابه ، وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة ، فمنهم من قال إنه مقدر بالمساحة ، حتى إذا كان السرج يأخذ من ظهر الدابة قدر شبرين والإكاف قدر أربعة أشبار [ ص: 41 ] فيضمن بحسابه ، وقيل يعتبر بالوزن . ( قوله مكان الإيكاف ) أي بدله ( قوله وكذا لو أبدله ) تشبيه بحكم مفهوم المتن بقرينة التعليل ، والشارح تبع البحر والمنح .

والذي في غاية البيان هكذا .

وقال الكرخي : إن لم يكن عليه لجام فألجمه فلا ضمان عليه إذا كان مثله يلجم بذلك اللجام ، وكذلك إن أبدله وذلك ; لأن الحمار لا يختلف باللجام وغيره ولا يتلف به فلم يضمن بإلجامه ا هـ . ( قوله غير ما عينه المالك ) أي مالك الطعام كما في الهداية وكذا مالك الدابة كما في الغاية ، فلو لم يعين لا ضمان بحر ( قوله بحيث لا يسلكه الناس ) وأما إذا كان بحيث يسلك فظاهر الكتاب أنه إن كان بينهما تفاوت ضمن وإلا فلا بحر ، ونقله الزيلعي عن الكافي والهداية معللا بأنه عند عدم التفاوت لا يصح التعيين لعدم الفائدة . ( قوله أو حمله في البحر ) أي حمل المتاع . ( قوله وإن بلغ المنزل ) السماع في بلغ بالتشديد : أي وإن بلغ الجمال المتاع إلى ذلك الموضع المشروط ، ويجوز التخفيف على إسناد الفعل إلى المتاع : أي إن بلغ المتاع إلى ذلك الموضع إتقاني . ( قوله فله الأجر ) أي المسمى . ( قوله لحصول المقصود ) ; لأن جنس الطريق واحد ، فلا يظهر حكم الخلاف إلا بظهور أثر التفاوت وهو الهلاك ، فإذا سلم بقي التفاوت صورة لا معنى فوجب المسمى إتقاني




الخدمات العلمية