الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
. ( و ) تصح ( إجارة الدابة للركوب والحمل والثوب للبس لا ) تصح إجارة الدابة ( ليجنبها ) أي ليجعلها جنيبة بين يديه ( ولا يركبها ولا ) تصح إجارتها أيضا ( ل ) أجل أن ( يربطها على باب داره ليراها الناس ) فيقولوا له فرس ( أو ) لأجل أن ( يزين بيته ) أو حانوته ( بالثوب ) لما قدمنا أن هذه منفعة غير مقصودة من العين ، وإن فسدت فلا أجر ; وكذا لو استأجر بيتا ليصلي فيه أو طيبا ليشمه [ ص: 35 ] أو كتابا ولو شعرا ليقرأه أو مصحفا شرح وهبانية ( وإن لم يقيدها براكب ولابس أركب وألبس من شاء ) وتعين أول راكب ولابس ، وإن لم يبين من يركبها فسدت للجهالة وتنقلب صحيحة بركوبها ( وإن قيد براكب أو لابس فخالف ضمن إذا عطبت ولا أجر عليه وإن سلم ) بخلاف حانوت أقعد فيه حدادا مثلا حيث يجب الأجر إذا سلم ; لأنه لما سلم علم أنه لم يخالف ، وأنه مما لا يوهن الدار كما في الغاية ; لأنه مع الضمان ممتنع ( ومثله ) في الحكم ( كل ما يختلف بالمستعمل ) كالفسطاط ( وفيما لا يختلف فيه بطل تقييده به كما لو شرط سكنى واحد له أن يسكن غيره ) [ ص: 36 ] لما مر أن التقييد غير مفيد ( وإن سمى نوعا أو قدرا ككر بر له حمل مثله وأخف لا أضر كالملح ) والأصل أن من استحق منفعة مقدرة بالعقد فاستوفاها أو مثلها أو دونها جاز ، ولو أكثر لم يجز ، ومنه تحميل وزن البر قطنا لا شعيرا في الأصح .

التالي السابق


( قوله للركوب والحمل ) لكن لو استأجرها للحمل له الركوب بخلاف العكس ، فلو حمل عليها لا أجر عليه ; لأن الركوب يسمى حملا ، يقال حمل معه غيره لا العكس بحر عن الخلاصة مختصرا .

وفيه عن العمادية : استأجرها ليحمل حنطة من موضع إلى منزله يوما إلى الليل فحمل وكلما رجع كان يركبها .

قال الرازي : يضمن لو عطبت .

وقال أبو الليث في الاستحسان : لا ، لجريان العادة به والإذن دلالة ا هـ .

فالحاصل أنهم اتفقوا على أنها لو للحمل له الركوب ، لكن الرازي قيده بأن لا يجمع بينهما والفقيه عممه ا هـ . ( قوله والثوب للبس ) ويكفي في استئجاره التمكن منه وإن لم يلبس وهو كالسكنى ، وفي الدابة لا يكفي التمكن لما في العمادية : استأجر دابة ليركبها إلى مكان معلوم فأمسكها في منزله في المصر لا يجب الأجر ويضمن لو هلك ا هـ بحر ملخصا ومر تمامه . ( قوله ليجنبها ) يقال جنب الدابة جنبا بالتحريك : قادها إلى جنبه ، ومنه قولهم خيل مجنبة شدد للكثرة .

والجنيبة : الدابة تقاد ، وكل طائع منقاد جنيب . والأجنب : الذي لا ينقاد صحاح ملخصا . ( قوله جنيبة بين يديه ) أي مقادة كما علم مما مر ، وكأن التقييد بالظرف للعادة ، وإلا فظاهر الصحاح الإطلاق . ( قوله ولا يركبها ) لم يصرح بمفهومه وهو يفيد أنه لو استأجرها لهما يصح نظرا للركوب وغيره تبع له ويحرر ط .

أقول : ذكر في الخلاصة والتتارخانية بعد سرد نظائر هذه المسألة أن الإجارة فاسدة ، ولا أجر له إلا إذا كان الذي يستأجر قد يكون يستأجر لينتفع به ا هـ ، وظاهره أنه إذا كان كذلك فعليه الأجر وإن لم يذكر الركوب ونحوه ، فإذا استأجرها لهما لزمه بالأولى ، هذا بالنظر إلى لزوم الأجر ، وأما الصحة فراجعة إلى بيان المنفعة . ( قوله ليصلي فيه ) وقع في عبارة الخانية : استأجر بيتا من مسلم ليصلي فيه ، واحترز به ابن وهبان عن الكافر .

قال ابن الشحنة : ينبغي كون مفهومه مهجورا ; لأن العلة جهل المدة ، فلو علمت تصح ، وكذا لو جعلت كون المنفعة غير مقصودة فتأمله ا هـ ملخصا .

أقول : وفي التتارخانية : استأجر الذمي من الذمي بيتا يصلي فيه لا يجوز ، ولو استأجر من المسلم بيعة ليصلي فيها لا يجوز أيضا ، وفي السواد جاز ، ولو استأجر مسلم من مسلم بيتا يجعله مسجدا يصلي فيه لا يجوز في قول علمائنا ; لأن الاستئجار على ما هو طاعة لا يجوز ، وكذلك الذمي يستأجر رجلا ليصلي بهم لا يجوز ا هـ ملخصا ، [ ص: 35 ] ففيه التصريح بأن المسلم غير قيد وأن العلة غير ما ذكره ، ومفاده عدم الجواز وإن بين المدة . ( قوله أو كتابا إلخ ) ; لأن القراءة إن كانت طاعة كالقرآن أو معصية كالغناء فالإجارة عليها لا تجوز ، وإن كانت مباحة كالأدب والشعر فهذا مباح له قبل الإجارة فلا تجوز ، ولو انعقدت تنعقد على الحمل وتقليب الأوراق ، والإجارة عليه لا تنعقد ولو نص عليه ; لأنه لا فائدة للمستأجر ولوالجية



( قوله وإن لم يقيدها ) صادق بالإطلاق كقوله للركوب أو اللبس مثلا ولم يزد عليه ، وبالتعميم كقوله : علي أن أركب أو ألبس من شئت ، هذا هو المراد هنا ، كما أن المراد الأول بقول الشارح بعده ولو لم يبين ، ولكن في التعبيرين خفاء فافهم .

والفرق أنه في الإطلاق صار الركوبان مثلا من شخصين كالجنسين فيكون المعقود عليه مجهولا ، وفي التعميم رضي المالك بالقدر الذي يحصل في ضمن الركوب فصار المعقود عليه معلوما أفاده في البحر . ( قوله فسدت ) ومثله الحمل لما في البزازية : استأجر ولم يذكر ما يحمل فسدت .

وفي الخانية ليطحن بها كل يوم بدرهم وبين ما يطحن من الشعير أو نحوه ذكر في الكتاب أنه يجوز وإن لم يبين مقداره .

وقال خواهر زاده : لا بد من بيان مقدار ما يطحن كل يوم وعليه الفتوى . ( قوله وتنقلب صحيحة بركوبها ) سواء ركبها أو أركبها ، ويجب المسمى استحسانا لزوال الجهالة بجعل التعيين انتهاء كالتعيين ابتداء ، ولا ضمان بالهلاك لعدم المخالفة زيلعي ملخصا



( قوله ضمن ) ; لأنه صار متعديا ; لأن الركوب واللبس مما يتفاوت فيه الناس ، فرب خفيف جاهل أضر على الدابة من ثقيل عالم . ( قوله وإن سلم ) ; لأنه يكون غاصبا ومنافع الغصب غير مضمونة إلا فيما استثنى ط . ( قوله وأنه مما لا يوهن ) أي بالفعل وإن كان مما من شأنه أن يوهن فافهم ( قوله ; لأنه مع الضمان ممتنع ) تعليل لقوله ولا أجر عليه لكنه خاص بحالة العطب ، فإن سلم فقد مر تعليله . ( قوله ومثله في الحكم ) أي في كونه يضمن إذا عطبت مع المخالفة والتقييد بحر . ( قوله كالفسطاط ) قال في الدرر : حتى لو استأجره فدفعه إلى غيره إجارة أو إعارة فنصبه وسكن فيه ضمن عند أبي يوسف لتفاوت الناس في نصبه واختيار مكانه وضرب أوتاده ، وعند محمد لا يضمن ; لأنه للسكنى فصار كالدار ا هـ .

وقوله ضمن عند أبي يوسف وقال أبو السعود : أي إن كان قيد بأن يستعمله بنفسه حموي ، وكذا عند أبي حنيفة على ما نقله شيخنا عن المفتاح ا هـ .

وفي التتارخانية : استأجر قبة لنصبها في بيته شهرا بخمسة دراهم جاز وإن لم يسم مكان النصب ، ولو نصبها في الشمس أو المطر وكان فيه ضرر عليها ضمن ولا أجر ، وإن سلمت عليه الأجر استحسانا ، وإن نصبها في دار أخرى في ذلك المصر لا يضمن ، وإن أخرجها إلى السواد لا أجر سلمت أو هلكت ، ولو استأجر فسطاطا يخرج به إلى مكة أن يستظل بنفسه وبغيره لعدم التفاوت ، ولو انقطع أطنابه وانكسر عموده فلم يستطع نصبه لا أجر ، وإن اختلفا في مقدار الانتفاع فالقول للمستأجر وإن في أصله حكم الحال كمسألة الطاحون وتمامه فيها ( قوله له أن يسكن غيره ) أي غير ذلك الواحد .

وفي شرح الزيلعي أول الباب : وله أي للمستأجر أن يسكن غيره معه أو منفردا ; لأن كثرة السكان لا تضر بها بل تزيد في عمارتها ; لأن خراب المسكن بترك السكن ا هـ .

وقدمنا أن له ذلك وإن شرط أن يسكن وحده منفردا ، فما قيل إن سكنى الواحد ليس كسكنى الجماعة بحث معارض للمنقول وإن [ ص: 36 ] كان ظاهرا لكن قد يقال معنى كلامهم أن له أن يسكن غيره في بقية بيوت الدار ; لأنه إذا سكن في بيت منها وترك الباقي خاليا يلزم الضرر لعدم تفقده من وكف المطر ونحوه بما يخربها تأمل . ( قوله لما مر ) أي أول الباب



( قوله ككر بر ) الكر قدر والبر نوع .

والكر : ستون قفيزا . وثمانية مكاكيك .

والمكوك : صاع ونصف فيكون اثني عشر وسقا مصباح ، وهذا عند أهل بغداد والكوفة ط عن الحموي . ( قوله له حمل مثله ) أي في الضرر بشرط التساوي في الوزن ، وما في الدرر من قوله وإن تساويا في الوزن .

قال الشرنبلالي : الواو فيه زائدة . ( قوله مقدرة ) أي معينة قدرا فدخل فيه زراعة الأرض إذا عين نوعا للزراعة له أن يزرع مثله أخف لا أضر كما في البحر . ( قوله أو مثلها ) كما لو حمل كر بر لغيره بدل كر بر .

قال في البحر : وغلط من مثل بالشعير للمثل ; لأنه يلزم عليه أنه لو استأجرها لحمل كر شعير له أن يحمل حنطة ، وليس كذلك ; لأنه فوقه . ( قوله أو دونها ) ككر شعير بدل كر بر ; لأنه أخف وزنا . ( قوله ومنه ) أي مما لم يخرج ( قوله لا شعيرا في الأصح ) أي لو عين قدرا من الحنطة فحمل مثل وزنه شعيرا جاز ، فلا يضمن لو عطبت استحسانا وهو الأصح ; لأن ضرر الشعير في حق الدابة عند استوائها وزنا أخف من ضرر الحنطة ; لأنه يأخذ من ظهر الدابة أكثر مما تأخذه الحنطة فيكون أخف عليها بالانبساط ، بخلاف إذا حمل مثل وزن الحنطة قطنا ; لأنه يأخذ من ظهرها أكثر من الحنطة وفيه حرارة فكان أضر عليها من الحنطة ، فصار كما إذا حمل عليها تبنا أو حطبا ، وكذا لو حمل مثل وزنها حديدا أو ملحا ; لأنه يجتمع في مكان واحد من ظهرها فيضرها ، فحاصله متى كان ضرر أحدهما فوق ضرر الآخر من وجه لا يجوز وإن كان أخف ضررا من وجه آخر ، كذا أفاده الزيلعي . أقول : ولم يذكر ما يضمن في هذه الأوجه .

وحاصل ما في البدائع أن الخلاف الموجب للضمان إما في الجنس أو في القدر أو الصفة .

فالأول كما إذا استأجرها لحمل كر شعير فحمل كر حنطة يضمن كل القيمة ; لأنها جنس آخر وأثقل فصار غاصبا ولا أجر ; لأنهما لا يجتمعان .

والثاني كما إذا استأجرها ليحمل عشرة أقفزة حنطة فحمل أحد عشر ، فإن سلمت لزم المسمى وإلا ضمن جزءا من أحد عشر جزءا من قيمتها .

والثالث كما إذا استأجرها ليحمل مائة رطل قطن فحمل مثل وزنه أو أقل حديدا يضمن قيمتها ; لأن الضرر ليس للثقل فلم يكن مأذونا ، ولا أجر لما قلنا وسيأتي تمامه




الخدمات العلمية