الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      - أسباب التدهور:

      لكل من التقدم والتخلف أسبابه ومستلزماته، لذا فكل من أخذ بأسباب التقدم يتقدم، وكل من تضربه علل التخلف يتخلف، لا فرق في ذلك بين مؤمن وكافر، ولا بين آري وسامي، ويخدع نفسه من يتصور وجود شعب (مختار)، ولكن يوجد شعب (مختال) نرجسي معجب بنفسه، كأن الله تعالى خلقه من (طينة) خاصة، وفضله على سائر خلقة (تفضيلا)، الحقيقة ليس هناك (محاباة) خاصة، بل سنن عامة للصعود والتقدم، وأخرى للتخلف والهبـوط، وكل من أخذ (بسبب) جاءت النتيجة (وفق ما أخذ) ولا يظلم ربك أحدا..

      يستعرض (د. محمد عمر) جملة أسماء لباحثين - مسلمين وغيرهم - يتناولون الأسباب وراء تدهور المسلمين، من بينها:

      1- الانحلال الأخلاقي: ولمالك بن نبي، يرحمه الله، نظرية يرى فيها: إن الحضارة تبدأ روحية، فيها الكثير من الإخلاص ونكران الذات، تليها مرحلة عقلية (تنظر وتفلسف) المرحلة الأولى، فتنتشر العلوم والمعارف، ويبرز جانب (التحضر)، يعقبها مرحلة (هياج الغرائز) حيث يتجه الناس للملذات، وتتعفن الأخلاق، فتتدهور الحضارة وتنهار.

      2- فقدان الإسلام (لديناميكيته) وحركيته، فشاع التشدد والتعصب، وانقسم المجتمع، وكثرت الثورات.

      3- تدهور النشاط العلمي، وجمد النشاط الفكري، وقل الإبداع. [ ص: 167 ]

      4- توالي الحروب الداخلية والخارجية، وتعرض البلاد الإسلامية لغزوات خارجية متواصلة.

      5- كل ذلك دفـع لإحـداث أكثر من خـلل مالي وأمني، فتناقص النمو والاستثمار.

      6- حدث تدهور في ميادين الزراعة والتجارة والحرف، مع ضياع للمناجم والمعادن النفيسة.

      7- توالي الكوارث الطبيعية كالمجاعات والأمراض الفتاكة...

      وأختم بذكر (قواعد) رائعة للطرطوشي (الأندلسي) في كتابه (سراج الملوك) رتبها ترتيبا رائعا فقال: "لا سلـطان إلا بجنـد، ولا جنـد إلا بمال، ولا مال إلا بجباية، ولا جباية إلا بعمارة، ولا عمارة إلا بعدل". [1]

      فإذا جرى (تسريح) الجند بحجة عدم توفر المال، كما حدث قبل سقوط بغداد عام (656) هـ، وإذا شاع وانتشر الظلم، فكيف تزدهر حضارة أو تبقى؟

      التالي السابق


      الخدمات العلمية