الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      - ابن خلدون: عللنا والمسببات والعلاج:

      كتب (د. محمد عمر شابرا) بحثا باللغة الإنكليزية عنوانه: (علل العالم الإسلامي المعاصر: المسببات والعلاج)، وقد ترجمته للعربية (علياء وجدي) ونشر ضمن مجموعة بحوث تحت عنوان: (الأمة وأزمة الثقافة والتنمية) استهلك البحث (35) صفحة، وهو دراسة جادة وجديدة [1] ...

      يقول د. محمد عمر: "يذهب عدد من العلماء الغربيين إلى أن (الإسلام) لعب دورا إيجابيا في (تنمية المجتمعات الإسلامية) في الماضي، فهو العامل [ ص: 164 ] الوحيد المفسر لمجتمع (بدوي) اتسم بعداوات ضارية، وندرة في الموارد، مع طقس قاس، يفتقد متطلبات (النمو)، وقد استطاع - مع ذلك - أن يتطور بهذه السرعة، ورغم الظروف، وأن يقف بحزم ضد الإمبراطوريتين (البيزنطية والساسانية)، وهما الأعلى فكريا وماديا، وفقا لآراء كل من (نورث وتوماس)، فقد بدأ هذا المجتمع في الازدهار في القرن (السابع) حينما كانت أوروبا عبارة عن مجتمع (بربري كبير)، وحتى القرن (العاشر)، يقول المؤرخ (توينبي): إنه لولا الإسلام لم يوجد ذلك الانتشار غير العادي للقوى الروحية الكامنة، التي حول بها الإسلام نفسه،... لقد قام الإسلام بتفعيل جميع عوامل التنمية تفعيلا جيدا، فساهم في ارتقاء الأفراد ماديا ومعنويا، وهم القوة الأساسية الكامنة وراء صعود أو سقوط أي مجتمع، كما غير من نظرتهم للحياة بإعطائها (معنى وغاية)، كما وفر مؤسسات وقيما معنوية (ميسرة للتنمية)، وصنع مناخا ملائما للرقابة، على نحو ساعد على تغيير خصائص المجتمع.... ولقد أقام الإسلام (نظاما سياسيا) ذا توجه (خلقي) ينتخب فيه الناس (خليفة) يحكم وفق (الشورى) ويكون مسؤولا أمام الناس، ومن ثـم قـدم إطارا لما يسمى الآن بـ (الحكم الرشيد) لضمان العدالة والكرامة والمساواة واحترام النفس، فاستفاد الجميع من (التنمية) وخاصة الفقراء... فقد أقام الإسلام حكم القانون، وكفل حرمة الحياة والملكية، وكرامة الفرد، وأعطى مكانة أعلى، واحتراما أكبر للمزارع والحرفي والتاجر، مقارنة بما كان لهم في الديانتين (المسيحية والمزدكية) .... لقد صنع وشجع حافز الأمانة والاستقامة والعمل [ ص: 165 ] الدؤوب، فتراكم رأس المال والعمالة، ومعدلات جمركية قليلة، في منطقة أفسدتها العداوات والقبلية، والحروب المستمرة، بين الإمبراطوريات، مع قطع طريق القوافل والضرائب العالية... لقد كان هذا العصر (الكلاسيكي) للإسلام، الذي نضجت فيه تلك الحضارة الجديدة، والتربية الأصيلة، التي ولدت من خلال احتشاد العديد من الأجناس والتقاليد، كما تم استيفاء مطالب (التنمية)، التي أكد عليها كل من (نورث وتوماس)، وتعترف (شاتز ميلر) بذلك إذ تقول: جميع العوامل، التي مكنت أوروبا من النجاح، كانت متاحة (للإسلام) قبل ذلك الحين، وبوقت كبير... ونتيجة لذلك حدثت (دورة تنمية) اقتصادية كاملة، شملت الزراعة والتجارة والحرف، وأدت إلى ارتفاع جوهري في الداخل، لكل من الأفراد والدولة معا..

      ولقـد حـظي التعليم والبحث بدعم عام كبير، فأدى ذلك إلى تحسين في المهارات، وتنمية علمية ونهضة فكرية، وتوفر مناخ لما أطلق عليه (فليب حتي) صحوة فكرية كبيرة، شارك فيها العلماء في كافة المجالات، ومن مختلف العقـائد، ودون تمييز، وقد أمكن المحافظة على هذا (التفوق) ما يزيد على (أربعة قرون)، من (منتصف القرن الثامن- منتصف القرن الثاني عشر)، وعندما تراجع استمر الإسلام في تقديم (إسهامات) جوهرية، لما يقرب من قرنين على الأقل"..

      استعراض أكثر من جيد، وبحث علمي متوازن، ينتقل الباحث بعده للحديث عن أسباب (التدهور)، وهذا ما يعنينا كثيرا. [ ص: 166 ]

      التالي السابق


      الخدمات العلمية