الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      - لماذا توقفت الحضارة الإسلامية:

      الحضـارة كالمخـلوق (الحي)، تولد وتنمو وتنضج وتشيخ وتنهار، والفارق في (المدة) الزمنية، فعمر الإنسان مثلا والحيوان قصير، وعمر الحضارة قـد يمتد قرونا.

      العرب خلال القرون من (8-14) للميلاد كانوا الأفضل والأكثر تقدما في العالم، وفي كافة الميادين، فلماذا لم ينجحوا في (العلم الحديث)؟

      "توبي أ. هاف" في كتابه "فجر العلم الحديث" يحاول الإجابة عن هذا التساؤل، ثم يضيف تساؤلا: لماذا انهار وتراجع الفكر العلمي والعمل في الحضارة العربية - الإسلامية، بعد القرن (13)، مع أن العلم العربي كان منذ القرن (الثامن) أكثر العلوم تقدما في العالم، وقد تجاوز بكثير ما كان في الغرب والصين، وذلك في كل الميادين للبحث، ابتداء من الفلك والكيمياء والرياضيات والطب والبصريات؟

      لقد كان للعلم العربي التفوق التقني على مدى زاد على (خمسة قرون)، فلماذا لم ينجب (العلم الحديث)؟

      إن ما يطلق عليه العرب (علم الأوائل) كالعلوم الطبيعية، في مقابل العلوم الإسلامية والعربية كالتفسير والحديث والفقه وعلم الكلام والشعر واللغة، كل [ ص: 162 ] ذلك كان بدافع من حب (الاستطلاع)، إضافة لدوافع (دينية)، بحيث بلغ أعلى مستوى للتقدم العلمي، لكن ذلك لم يكن بهدف خدمة (علوم الأوائل) لذاتها، فمن أجل (قسمة المواريث) مثلا اعتبر (الحساب) موضوعا مهما للدراسة، ومن أجل تأدية الشعائر مثل الصلاة كانت الحاجة لتحديد (المواقيت)، ومن ثم استخدام (الهندسة)، ومثلها حساب المثلثات، بهدف تحديد (القبلة).

      فإذا درست أسباب (تدهور) الحضارة الإسلامية فإن "هاف" يحدد أسبابا عنصرية عرقية، مع الطغيان السياسي، إضافة إلى وسائل تتصل بالبواعث النفسية والاقتصادية، فضـلا عن إخفـاق فـلاسفة الطبيعة العرب في تطوير (المنهج التجريبي)، وقد انبثق عن هذه العوامل الأساسية، عوامل أخرى فرعية، فالطغيان السياسي أفرز تعصبا دينيا تجاه (العلوم الطبيعية)، ونشأ ما يعرف بالعـلوم (السرية) فصعـد التصـوف والحـركات السـرية (الباطنية) في القرون (12، 13) للميلاد". [1]

      المعروف أن العرب بدأوا الترجمة في أواخر العصر الأموي، وجرى التوسع في العصر العباسي، وذكرت بعض (كتب التراث) أن راتب مدرس الفلسفة كان يوميا (ثلاثة دراهم) بينما راتب مدرس السنة (نصف درهم)..

      أما تطبيقات العلوم في مواقيت الصلاة أو تحديد القبلة فلا عيب في ذلك، وهو تطبيق جديد، وأما التعصب فهو بسبب الحروب الطاحنة وكثرتها، [ ص: 163 ] فعد بعض المستشرقين حصول (2700) معركة كبرى مع الغرب، ومارست الجيوش الصليبية البربرية القتل والنهب ليس للمسلمين فقط، بل شمل نصارى (القسطنطينية) مثلا، وذات يوم جمع الصليبيون ما لديهم من أسرى فقطعوا رؤوسهم ووضعوها على دواب ووجهوها إلى بعض مدن (الشام)، هذه الحروب الطاحنة مع الثورات الداخلية والانشقاقات صرف الجهود والأموال، ليس للعلوم والمعارف، ولكن للحروب والثورات، إضافة لانتشار الفرق من باطنية وغيرها، مثل الحشاشين والقرامطة، وكل ذلك جعل الجهود تتوجه بعيدا عن العلوم والمعارف.

      والخلاصة: تمزق داخلي وانشقاقات وثورات شبه دائمة، وحروب خارجية طاحنة، فمن يهتم بالعلوم والمعارف؟

      التالي السابق


      الخدمات العلمية