الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      - للنجاح أكثر من أب، فمن يتبنى الفشل؟:

      كل مؤسـسة تعمل معرضة للنجاح والفشل، ولكل نتائجه وتداعياته، د. برهان غليون، يؤكد كثيرا على فشل (الدولة القومية)، وفي كل مشاريعها الاقتصادية والسياسية والثقافية والإدارية والتربوية..... إلخ.

      1- على المستوى الاقتصاد، عجزت الدولة عن تكوين شروط (لنمو الإنتاج)، وتبع ذلك فشل خطط التنمية الوطنية، فتولد عن ذلك قيام نمط من اقتصاد (المضاربة) -نوع من الشركة- المستند إلى طبقة من (السماسرة) والمرتشين، همه الأول تأمين مصالحهم أولا وأخيرا، فأدى ذلك لتركيز الثروة في أيدي قلة، وتبع ذلك ازدياد (البطالة) بأنواعها وإخراج لأجيال من سوق العمل الوطني، تتجه نحو (الهجرة) لبلاد أخرى... إنه فشل كبير يتعلق (بلقمة العيش)، وينذر بإحباط كبير، وتذمر عام....

      2- على المستوى السياسي، فقد أدى الفشل إلى (تجميد تداول السلطة) واحتكارها إلى (فساد القيادة السياسية) في البداية ثم تكلسها وتحللها، مع عدم إمكانية وجود ونمو (بدائل) لقيادات شابة، حتى صار الهدف الوحيد للفئة الحاكمة هو المحافظة على السلطة والثروة معا، فدفع ذلك لتصاعد المعارضة، وهذا يدفع بدوره لتحول النظام إلى (نظام احتلال أجنبي)، ثم ليندفع لشن (حرب وقائية دائمة) ضد المعارضين والمجتمع، ويأخذ شكل (سياسة رسمية) قد تقود لحرب أهلية، تبدأ بشنها الدولة، حفاظا على مصالح القائمين عليها، وهذا ما يفسر انتشار (القمع) في أكثر من دولة، وبشكل واسع. [ ص: 127 ]

      3- على المستوى الثقافي، تقوم الدولة بفرض (عقيدتها) أو مذهبها على الجميع، فتسقط الحوار وتصادر حرية (التعبير)، بل تمارس (الاستفزاز) للعقائد والأفكار وحتى القيم الاجتماعية، وتمارس الإرهاب النفسي والقهر حتى (للعواطف)، دافعة المجتمع نحو الشعور بالدونية، ليسهل إخضاعه وانقياده..

      هنا تتحول الثقافة إلى (عقيدة سياسية) ومركز لتوظيف لحرب سياسية، مما يؤدي إلى شق الثقافة الوطنية إلى (تيارين) متعارضين: الأول وطني تقليدي، ممنوع من التعبير، والثاني حديث المظهر والشعارات، وهو مرتبط بالدولة، والنخبة الحاكمة، وهنا يسود الشعور بالحرمان والاستبعاد و التهميش، لدى قسم كبير من أفراد المجتمع... لقد صنعت الدولة (احتباسا حراريا) - على شاكلة الاحتباس الحراري- عند هذا الحد تبرز نتائج الفشل للنظام الجديد، ومعه الإخفاق الكبير للمعارضة التقليدية بأنواعها من يسارية وليبرالية وغيرها، فيظهر الفشل في تبديل بنية النظام (المطلق)، ثم يظهر أخيرا انهيار (عقائدية القومية الشكلية)، التي تقوم عليها مشروعية العديد من هذه النظم، وهنا تتجه الفئات (المهمشة) والمنكوبة إلى (المخزون الإسلامي) لتكوين رأسمال شرعي للمعارضة، التي تزداد قوة واتساعا وتنوعا، يوما بعد يوم...

      إن الحديث باسم (الإسلام) له في السياسة مفعول (العودة إلى منبع القيم) التأسيسية للاجتماع العربي والإسلامي، في مقابل (الاجتماع الحديث المتهاوي..." [1] . [ ص: 128 ]

      أشعر أن د. غليون يقوم (بمسح) لأكثر من نظام عربي، شهد (بريقا) وسندا كبيرا من أكثر من قوة، لكن البريق ذهب وتحولت النار إلى مجرد (رماد)، وكل يوم يخسر النظام (صديقا) ليكسب أكثر من عدو.

      التالي السابق


      الخدمات العلمية