الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      - نريد مزج ما عندنا مع التقنية الغربية:

      ما عندما من أمور الزراعة والصناعة غير كافية، وما تقدمه التقنية الغربية لدينا تحفظات تجاهه، والمطلوب (مزج) بين ما عندنا وما تقدمه التنمية الغربية، والحياة أخذ وعطاء، وكل حضارات العالم فعلت ذلك، وإن كان بدرجات [ ص: 157 ] مختلفة، البعض يدفعنا نحو اليأس: "خذوا التنمية الغربية كما هي أو اتركوها كلها"، فإذا تساءلنا: ما الدليل على صحة هذا (الطرح)؟ لم نجد جوابا شافيا.. أما التوقف عند حدود (ما نملك) ، فيحرمنا من بعض الفوائد والمنافع، وهذا (تحد) نقدر حجمه، ماذا نأخذ وكيف نمزج؟ هنا مربط (الفرس)، نحن بحاجة لنقل (أدوات البحث العلمي)، لـكنا لا نريد (فلسفة العلم) الغربي، لأنها تصادم الكثير من قيمنا، لقد ترجمنا معارف اليونان مثلا، وتركنا آدابهم؛ لأنها وثنية تؤمن بتعدد الآلهة وتصارعها المستمر.

      لنأخذ التجربة اليابانية، فقد نقلت النظم السياسية والاقتصادية الغربية لكنها لم تنقل النظام الاجتماعي ولا الإداري، كذلك أهملت الفلسفة، ومع ذلك ظهرت فيها بعض أمراض الحضارة الغربية، فراحت تستعمر -لأول مرة في تاريخها - بلادا مجاورة، وأشعلت أكثر من حرب، كان آخرها الحرب (العالمية الثانية)، ودفعت ثمنا عاليا، حيث ضربت مدنها بقنابل نووية، وخضعت لأول مرة في تاريخها لاستعمار مباشر، لكنها - رغم كل الضغوط - لم تبتعد عن نظامها الإمبراطوري مثلا، ولا نظامها الإداري، وحين انسحب جيش الاحتلال، هدأت البلاد، ورفضت النمطين الغربي والاشتراكي الشرقي، لتختط لنفسها النظام والنهج، الـذي يناسبها؛ لقـد حـددت (بدقة) ما تأخذه من الغرب وما ترفضه، فكانت (تلميذا) نجيبا، لكنها لم تكن زبونا (معصوب العين).

      لقد نجحت اليابان في استعمال (طرق الإنتاج الحديثة) دون أن تدمر الطرق التقليدية، فمازالت (الشركة اليابانية) تعتبر نفسها (عائلة) لها أسرارها [ ص: 158 ] ومكانتها، ويعتبر مديرها (الأب) لهذه الأسرة، والشركة اليابانية لا تفصل عمالها وترميهم في الشارع، والمتقاعد منهم تفتح له محلا، وابنه يحل مكانه، العامل الياباني لا يترك شركته لمكسب، ولو فعل فلن يجد من يقبله، وهو يحافظ على سمعة وأسرار شركته، كما يحافظ على كرامة وشرف عائلته [1] ....

      ويمكن القول : إن التجربة اليابانية تشكل نموذجا جديدا، وكذلك التجربة الصينية والماليزية، ولم تتوقف التجارب عند التجربة الغربية، ولن تكون آخر تجارب البشر، وعلى (الوكلاء) أن يكفوا عن التغزل بالنموذج الغربي، فغزلهم يدفع لكراهة هذا النموذج...

      التالي السابق


      الخدمات العلمية