الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      - عندما يصير العلم نقلا والعالم مترجما:

      د. حسن حنفي يشتكي من (الاغتراب)، ويشاركه د. برهان غليون وأمثالهم، يقول د.حنفي: "لقد أصبحت (الثقافة الغربية ثقافتنا، وهو أمر يدعو للانتباه، فالعالم عندنا من يعرف التراث الغربي، والعلم هو المعلومات الوافدة من الغرب، والإنسان لا يكون (مجددا) إلا إذا تعلم الوسائل الغربية، لقد صار العلم نقلا، والعالم مترجما، والمفكر عارضا بضاعة الغير، ووجدت طبقة (هشة) من المذاهب والأفكار والنظريات (طائرة) فوق الواقع، ليست مستمدة من الموروث القديم، ولا نابعة من الواقع المباشر، وثمة (تنظير)، تتضارب المعلومات وتتعارض النظريات، بعضها ينفي بعضا، فيحتار الباحث أمام العديد من المذاهب والأفكار المنتشرة فوق الواقع، والمجتثة الجذور من أرضها، والمنتزعة من واقعها الخاص، ماذا يختار، وما مقاييس الاختيار؟ لقد زاد الكم زيادة رهيبة، ومع ذلك مازالت الفكرة الأساسية غائبة...". [1]

      إنه واقع محزن، وربما ضياع مؤلم، ومستقبل غامض، فهل من دليل يدل على الطريق ويأخذ بالأيدي؟

      د. برهان غليون (يشكو)، والشاعر يقول:


      شكوت وما الشكوى لمثلي عادة ولكن تفيض الكأس عند امتلائها [ ص: 136 ]



      فماذا في (كأس) الغليون؟

      يقول د. برهان: "العقلانية العربية عندما تجعل من العلم (أساسا) لصحة معارفنا، بدلا من أن تجعل من الانخراط في التجربة - أي فحص ومعاينة الواقع وسيلة لمراجعة (النظم المعرفية) والتحقق منها -اكتفت عقليتنا بـ(الاستهلاك العلمي)، بدلا من ممارسة (الفعل العلمي) الحقيقي، لذا نقول: إن العقلانية العربية، التي تحولت إلى (علموية)، أي أيديولوجية تبشر بالعلم والامتداح الدائم له، وليس إلى منهج لمقاربة الواقع، فصارت منطلقا نظريا (للتدمير)، تدمير الواقع الحقيقي، واقع (الحداثة)، وهكذا صار المفهوم هو المتحكم بالواقع، بدلا من أن يخضع له، ويتطور على ضوئه، وهذا هو مصدر (الاستلاب) النظري، وفقدان التجربة العلمية والنظر العلمي، وهكذا صارت (العلموية) أو الاستقواء بالعلم قاعدة (تحطيم) المعنى العلمي الحقيقي واستـبعاده، ومـا علينا إلا أن نأتي به، أن ندخله عندنا، أن نفسح له المجال ونرعـاه، وبذلك (حرمنا) أنفسنا من كل قـدرة عـلى مناقشتـه، أو الإضافة إليه.

      لقد أصبح (معيار المعرفة اليقينية) عندنا هو قرب هذه المعرفة من معرفة (الآخر)، فهي بقدر ما تكون مكتوبة (بلغته)، مستمدة من أقواله ومناهجه ومعاييره، مرتبطة باسمه وبمعاهده وكتبه وشهاداته، فهي معرفة (حقة) وحقيقية، لذا صار (الصراع) على الشهادات (الأجنبية)، ومظاهر المعرفة الأجنبية، هي أساس التنافس بين الباحثين، لاكتساب (السلطة المعرفية) الثقافية. [ ص: 137 ]

      إن نجاح (المثقف العربي) يتماشى أكثر مع انسجام أفكاره وأحكامه وأسلوب كتابته ولغته واهتمـامه، وتـطابق كل ذلك مـع (المستشرقـين) أو المتكلمين الغربيين والباحثين عن المجتمع العربي". [2]

      وبـهذه المناسبة أذكر واقعة تمثلت في رفض طلبة عراقيين الابتعاث للدراسة بمصر.

      التالي السابق


      الخدمات العلمية