الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن أقر بدين مؤجل وادعى المقر له حلوله ) لزمه الدين ( حالا ) وعند الشافعي رضي الله عنه مؤجلا بيمينه ( كإقراره بعبد في يده أنه لرجل وأنه استأجره منه ) فلا يصدق في تأجيل إجارة لأنه دعوى بلا حجة ( و ) حينئذ ( يستحلف المقر له فيهما بخلاف ما لو أقر بالدراهم السود فكذبه في صفتها ) حيث ( يلزمه ما أقر فقط ) لأن السود نوع ، والأجل عارض لثبوته بالشرط والقول للمقر في النوع وللمنكر في العوارض ( كإقرار الكفيل بدين مؤجل ) فإن القول له في الأجل لثبوته في كفالة المؤجل بلا شرط ( وشراؤه ) أمة - [ ص: 596 ] ( متنقبة إقرار بالملك للبائع كثوب في جراب كذا الاستيام والاستيداع ) وقبول الوديعة بحر ( والإعارة والاستيهاب والاستئجار ولو من وكيل ) فكل ذلك إقرار بملك ذي اليد فيمنع دعواه لنفسه ولغيره بوكالة أو وصاية للتناقض بخلاف إبرائه عن جميع الدعاوى ثم الدعوى بهما لعدم التناقض ذكره في الدرر قبيل الإقرار وصححه في الجامع خلافا - [ ص: 597 ] لتصحيح الوهبانية ووفق شارحها الشرنبلالي بأنه إن قال : بعني هذا كان إقرارا وإن قال : أتبيع لي هذا لا يؤيده مسألة كتابته وختمه على صك البيع فإنه ليس بإقرار بعدم ملكه ( و ) له علي ( مائة ودرهم كلها دراهم ) وكذا المكيل والموزون استحسانا ( وفي : مائة وثوب ، ومائة وثوبان يفسر المائة ) لأنها مبهمة ( وفي : مائة وثلاثة أثواب كلها ثياب ) خلافا للشافعي رضي الله عنه .

قلنا : الأثواب لم تذكر بحرف العطف فانصرف التفسير إليهما لاستوائهما في الحاجة إليه

التالي السابق


( قوله بلا شرط ) فالأجل فيها نوع فكانت الكفالة المؤجلة أحد نوعي الكفالة ، فيصدق لأن إقراره بأحد النوعين لا يجعل إقرارا بالنوع الآخر غاية البيان وقد مرت المسألة في الكفالة عند قوله لك مائة درهم إلى شهر ( قوله وشراؤه أمة [ ص: 596 ] متنقبة إلخ ) وفي البزازية علل لذلك بقوله : والضابط أن الشيء إن كان مما يعرف وقت المساومة كالجارية القائمة المتنقبة بين يديه لا يقبل إلا إذا صدقه المدعى عليه في عدم معرفته إياها فيقبل وإن كان مما لا يعرف كثوب في منديل أو جارية قاعدة على رأسها غطاء لا يرى منها شيء يقبل ولهذا اختلفت أقاويل العلماء ا هـ ويظهر لي أن الثوب في الجراب كهو في المنديل سائحاني ( قوله : كثوب ) أي كشراء ثوب في جراب ( قوله : وكذا الاستيام ) انظر جامع الفصولين ، ونور العين في الفصل العاشر وحاشية الفتال .

[ فرع ذكره في الهامش ]

رجل قال لآخر : لي عليك ألف درهم فقال له المدعى عليه : إن حلفت أنها مالك علي دفعتها إليك ، فحلف المدعي ، ودفع المدعى عليه الدراهم قالوا : إن أدى الدراهم بحكم الشرط الذي شرط فهو باطل وللدافع أن يسترد منه لأن الشرط باطل خانية ( قوله والإعارة ) الأولى أن يقال الاستعارة كما في جامع الفصولين في العاشر كذا في الهامش . [ فرع ]

في الهامش : شراه فشهد رجل على ذلك وختم ، فهو ليس بتسليم يريد به أنه إذا شهد بالشراء أي كتب الشهادة في صك الشهادة ، وختم على صك الشهادة ثم ادعاه صح دعواه ، ولم تكن كتابة الشهادة إقرارا بأنه للبائع ، وهذا لأن الإنسان يبيع مال غيره كمال نفسه ، والشهادة بالبيع لا تدل على صحته جامع الفصولين في الرابع عشر ( قوله : ذكره في الدرر ) الضمير راجع إلى المذكور متنا من قوله وكذا إلخ سوى الإجارة ، وإلى المذكور شرحا فجميع ذلك مذكور فيها ، والضمير في قوله وصححه في الجامع إلخ راجع إلى ما في المتن فقط يدل عليه قول المصنف في المنح ، وممن صرح بكونه إقرارا منلا خسرو . وفي النظم الوهباني لعبد البر خلافه .

ثم قال : والحاصل أن رواية الجامع أن الاستيام والاستئجار والاستعارة ونحوها إقرار بالملك للمساوم منه ، والمستأجر منه ، ورواية الزيادات أنه لا يكون ذلك إقرارا بالملكية ، وهو الصحيح ، كذا في العمادية وحكى فيها اتفاق الروايات على أنه لا ملك للمساوم ونحوه فيه ، وعلى هذا الخلاف ينبغي صحة دعواه ملكا لما ساوم فيه لنفسه أو لغيره ا هـ ، وإنما جزمنا هنا بكونه إقرارا أخذا برواية الجامع الصغير والله - تعالى - أعلم ا هـ . قال السائحاني : ويظهر لي أنه إن أبدى عذرا يفتى بما في الزيادات من أن الاستيام ونحوه لا يكون إقرارا . وفي العمادية وهو الصحيح وفي السراجية أنه الأصح ، قال الأنقروي : والأكثر على تصحيح ما في الزيادات وأنه ظاهر الرواية ( قوله : وصححه في الجامع ) أي جامع الفصولين ، وهذه رواية الجامع للإمام محمد والضمير في صححه لكونه إقرارا بالملك لذي اليد قال في الشرنبلالية : كون هذه الأشياء إقرارا بعدم الملك للمباشر متفق عليه ، وأما كونها إقرارا بالملك لذي اليد ففيه روايتان ، على رواية الجامع يفيد الملك لذي اليد وعلى رواية الزيادات لا ، وهو الصحيح كذا في الصغرى : وفي جامع الفصولين صحح رواية إفادته الملك فاختلف التصحيح للروايتين ، ويبتنى على عدم إفادته ملك المدعى عليه جواز دعوى المقر بها لغيره ا هـ ونقل السائحاني عن الأنقروي أن الأكثر على تصحيح ما في الزيادات ، وأنه ظاهر الرواية ا هـ .

قلت : فيفتى به لترجحه لكونه ظاهر الرواية وإن اختلف التصحيح . [ ص: 597 ] تتمة ]

الاشتراء من غير المدعى عليه في كونه إقرارا بأنه لا ملك للمدعي كالاشتراء من المدعى عليه حتى لو برهن يكون دفعا ، قال في جامع الفصولين بعد نقله عن الصغرى أقول : ينبغي أن يكون الاستيداع ، وكذا الاستيعاب ونحوه كالاستشراء . [ مهمة ]

قال في البزازية : ومما يجب حفظه هنا أن المساومة إقرار بالملك للبائع أو بعدم كونه ملكا ضمنا لا قصدا ، وليس كالإقرار صريحا بأنه ملك البائع ، والتفاوت يظهر فيما إذا وصل إلى يده يؤمر بالرد إلى البائع في فصل الإقرار الصريح ، ولا يؤمر في فصل المساومة ، وبيانه اشترى متاعا من إنسان وقبضه ، ثم إن أبا المشتري استحقه بالبرهان من المشتري وأخذه ثم مات الأب ، وورثه الابن المشتري لا يؤمر برده إلى البائع ، ويرجع بالثمن على البائع ويكون المتاع في يد المشتري هذا بالإرث ولو أقر عند البيع بأنه ملك البائع ثم استحقه أبوه من يده ثم مات الأب وورثه الابن المشتري لا يرجع على البائع ، لأنه في يده بناء على زعمه بحكم الشراء لما تقرر أن القضاء للمستحق لا يوجب فسخ البيع قبل الرجوع بالثمن ا هـ ذكره في الفصل الأول من كتاب الدعوى ، وفيه فروع جمة كلها مهمة فراجعه ( قوله لتصحيح الوهبانية ) أي في مسألة الاستيام ( قوله : لا ) بل يكون استفهاما وطلب إشهاد على إقراره بإرادة بيع ملك القائل فيلزمه بعد ذلك شرنبلالية ( قوله فإنه ليس بإقرار ) أي فما هنا أولى أو مساو . قال في الهامش : وإن رأي المولى عبده يبيع عينا من أعيان المولى ، فسكت لم يكن إذنا وكذا المرتهن إذا رأي الراهن يبيع الرهن ، فسكت لم يبطل الرهن . وروى الطحاوي عن أصحابنا : المرتهن إذا سكت كان رضا بالبيع ، ويبطل الرهن خانية من كتاب المأذون ( قوله : والموزون ) كقوله مائة وقفيز كذا أو رطل كذا ولو قال له نصف درهم ودينار وثوب ، فعليه نصف كل منهما وكذا نصف هذا العبد ، وهذه الجارية ، لأن الكلام كله وقع بغير عينه أو بعينه ، فينصرف النصف إلى الكل بخلاف ما لو كان بعضه غير معين كنصف هذا الدينار ودرهم يجب الدرهم كله . قال الزيلعي : وعلى تقدير خفض الدرهم مشكل .

وأقول : لا إشكال على لغة الجوار على أن الغالب على الطلبة عدم التزام الإعراب سائحاني أي فضلا عن العوام ، ولكن الأحوط الاستفسار ، فإن الأصل براءة الذمة فلعله قصد الجر تأمل ( قوله كلها ثياب ) لأنه ذكر عددين مبهمين وأردفهما بالتفسير فصرف إليهما لعدم العاطف منح ( قوله بحرف العطف ) : بأن يقول مائة وأثواب ثلاثة كما في مائة وثوب




الخدمات العلمية