الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( كما ) لا تقبل ( الشهادة على جرح ) بالفتح : أي فسق ( مجرد ) عن إثبات حق الله تعالى أو للعبد ، فإن تضمنته قبلت وإلا لا ( بعد التعديل و ) لو ( قبله قبلت ) أي الشهادة بل الإخبار ولو من واحد على الجرح المجرد كذا اعتمده المصنف تبعا لما قرره صدر الشريعة ، وأقره منلا خسرو وأدخله تحت قولهم : الدفع أسهل من الرفع ، وذكر وجهه ، وأطلق ابن الكمال ردها تبعا لعامة الكتب ، وذكر وجهه ، وظاهر كلام الواني وعزمي زاده الميل إليه ، وكذا القهستاني حيث قال : وفيه أن القاضي لم يلتفت لهذه الشهادة ولكن يزكى الشهود سرا وعلنا ، فإن عدلوا قبلها وعزاه للمضمرات [ ص: 487 ] وجعله البرجندي على قولهما لا قوله فتنبه ( مثل أن يشهدوا على شهود المدعي ) على الجرح المجرد ( بأنهم فسقة أو زناة أو أكلة الربا أو شربة الخمر أو على إقرارهم أنهم شهدوا بزور أو أنهم أجراء في هذه الشهادة أو أن المدعي مبطل في هذه الدعوى أو أنه لا شهادة لهم على المدعى عليه في هذه الحادثة ) فلا تقبل بعد التعديل بل قبله درر ، واعتمده المصنف ( وتقبل لو شهدوا على ) الجرح المركب ( كإقرار المدعي بفسقهم أو إقراره بشهادتهم بزور أو بأنه استأجرهم على هذه الشهادة ) أو على إقرارهم أنهم لم يحضروا المجلس الذي كان فيه الحق عيني ( أو أنهم عبيد أو محدودون [ ص: 488 ] بقذف ) أو أنه ابن المدعي أو أبوه عناية أو قاذف والمقذوف يدعيه ( أو أنهم زنوا ووصفوه أو سرقوا مني كذا ) وبينه ( أو شربوا الخمر ولم يتقادم العهد ) كما مر في بابه ( أو قتلوا النفس عمدا ) عيني ( أو شركاء المدعي ) أي والمدعى مال ( أو أنه استأجرهم بكذا لها ) للشهادة ( وأعطاهم ذلك مما كان لي عنده ) من المال ولو لم يقله لم تقبل لدعواه الاستئجار لغيره ولا ولاية له عليه ( أو إني صالحتهم على كذا ودفعته إليهم ) أي رشوة وإلا فلا صلح بالمعنى الشرعي ، ولو قال ولم أدفعه لم تقبل ( على أن لا يشهدوا علي زورا و ) قد ( شهدوا زورا ) وأنا أطلب ما أعطيتهم وإنما قبلت في هذه الصور لأنها حق الله تعالى أو العبد فمست الحاجة لإحيائهما .

التالي السابق


( قوله حق لله تعالى ) ولو كان الحق تعزيرا ، وانظر باب التعزير من البحر عند قوله يا فاسق يا زاني .

( قوله وإلا لا ) تكرار س . ( قوله بعد التعديل ) ولو قبله قبلت . ذكر في البحر أن التفصيل إنما هو إذا ادعاه الخصم وبرهن عليه جهرا أما إذا أخبر القاضي به سرا وكان مجردا طلب منه البرهان عليه ، فإذا برهن عليه سرا أبطل الشهادة لتعارض الجرح والتعديل فيقدم الجرح ، فإذا قال الخصم للقاضي سرا إن الشاهد أكل ربا وبرهن عليه رد شهادته كما أفاده في الكافي ا هـ . ووجهه أنه لو كان البرهان جهرا لا يقبل على الجرح المجرد لفسق الشهود به بإظهار الفاحشة ، بخلاف ما إذا شهدوا سرا كما بسطه في البحر .

وحاصله أنها تقبل على الجرح ولو مجردا أو بعد التعديل لو شهدوا به سرا ، وبه يظهر أنه لا بد من التقييد لقول المصنف لا تقبل بعد التعديل بما إذا كان جهرا ، وظاهر كلام الكافي أن الخصم لا يضره الإعلان بالجرح المجرد كما في البحر : أي لأنه إذا لم يشتبه بالشهود سرا وفسق بإظهار الفاحشة لا يسقط حقه ، بخلاف الشهود فإنما تسقط شهادتهم بفسقهم بذلك ، وكذا يقبل عند سؤال القاضي .

قال في البحر أول الباب المار : وقد ظهر من إطلاق كلامهم هنا أن الجرح يقدم على التعديل سواء كان مجردا أو لا عند سؤال القاضي عن الشاهد والتفصيل الآتي من أنه إن كان مجردا لا تسمع البينة به أو لا فتسمع إنما هو عند طعن الخصم في الشاهد علانية ا هـ . هذا ، وقد مر قبل هذا الباب أنه لا يسأل عن الشاهد بلا طعن من الخصم . وعندهما يسأل مطلقا ، والفتوى على قولهما من عدم الاكتفاء بظاهر العدالة ، وحينئذ فكيف يصح القول برد الشهادة على الجرح المجرد قبل التعديل . وأجاب السائحاني بأن من قال تقبل أراد أنه لا يكفي حينئذ ظاهر العدالة ، ومن قال ترد أراد أن التعديل لو كان ثابتا أو أثبت بعد ذلك لا يعارضه الجرح المجرد فلا تبطل العدالة ا هـ ويشير إلى هذا قول ابن الكمال . [ ص: 487 ] فإن قلت : أليس الخبر عن فسق الشهود قبل إقامة البينة على عدالتهم يمنع القاضي عن قبول شهادتهم والحكم بها .

قلت : نعم ، لكن ذلك للطعن في عدالتهم لا لسقوط أمر يسقطهم عن حيز القبول ، ولذا لو عدلوا بعد هذا تقبل شهادتهم ، ولو كانت الشهادة على فسقهم مقبولة لسقطوا عن حيز الشهادة ولم يبق لهم مجال التعديل ا هـ وهذا معنى كلام القهستاني ، وكذلك كلام صدر الشريعة ومنلا خسرو ، ويرجع إلى ما ذكره ابن الكمال .

( قوله وجعله البرجندي ) أقول : المتبادر منه رجوعه إلى قوله لكن يزكى الشهود سرا وعلنا ، أما على قول الإمام فيكتفى بالتزكية علنا كما تقدم ، وهذا محله ما إذا لم يطعن الخصم . أما إذا طعن كما هنا فلا اختلاف ، بل هو على قول الكل من أنهم يزكون سرا وعلنا فتأمل وراجع ، ولعل هذا هو وجه أمر الشارح بقوله فتنبه س والظاهر أن الضمير راجع إلى الإطلاق المفهوم من قوله وأطلق الكمال .

( قوله أو زناة إلخ ) أي عادتهم الزنا أو أكل الربا أو الشرب وفي هذا لا يثبت الحد ، بخلاف ما يأتي من أنهم زنوا أو سرقوا مني إلخ لأنها شهادة على فعل خاص موجب للحد ، هذا ما ظهر لي .

[ فرع ] ذكره في الهامش : ومن ادعى ملكا لنفسه ثم شهد أنه ملك غيره لا تقبل شهادته ، ولو شهد بملك لإنسان ثم شهد به لغيره لا تقبل ، ولو ابتاع شيئا من واحد ثم شهد به لآخر ترد شهادته ، ولو برهن أن الشاهد أقر أنه ملكي يقبل ، والشاهد لو أنكر الإقرار لا يحلف جامع الفصولين في الرابع عشر ا هـ .

( قوله فلا تقبل ) تكرار مع ما مر .

( قوله واعتمده المصنف ) قال : وإنما لم تقبل هذه الشهادة بعد التعديل ، لأن العدالة بعد ما ثبتت لا ترتفع إلا بإثبات حق الشرع أو العبد كما عرفت ، وليس في شيء مما ذكر إثبات واحد منهما ، بخلاف ما إذا وجدت قبل التعديل فإنها كافية في الدفع كما مر ، كذا قاله منلا خسرو وغيره .

فإن قلت : لا نسلم أنه ليس فيما ذكر إثبات واحد منهما يعني حق الله تعالى وحق العبد ، لأن إقرارهم بشهادة الزور أو شرب الخمر مع ذهاب الرائحة موجب للتعزير وهو هنا من حقوق الله تعالى .

قلت : الظاهر أن مرادهم بما يوجب حقا لله تعالى الحد لا التعزير لقولهم وليس في وسع القاضي إلزامه لأنه يدفعه بالتوبة ، لأن التعزير حق الله تعالى يسقط بالتوبة ، بخلاف الحد لا يسقط بها ، والله تعالى أعلم ا هـ .

قلت : لكن صرح في تعزير البحر أن الحق لله تعالى لا يختص بالحد بل أعم منه ومن التعزير ، وصرح هناك أيضا بأن التعزير لا يسقط بالتوبة : إلا أن يقال إن مراده به ما كان حقا للعبد لا يسقط بها تأمل .

( قوله كإقرار المدعي ) قال في البحر : لا يدخل تحت الجرح ما إذا برهن على إقرار المدعي بفسقهم أو أنهم أجراء أو لم يحضروا الواقعة أو على أنهم محدودون في قذف أو على رق الشاهد أو على شركة الشاهد في العين ، وكذا قال في الخلاصة : للخصم أن يطعن بثلاثة أشياء : أن يقول هما عبدان أو محدودان في قذف أو شريكان ، فإذا قال هما عبدان يقال للشاهدين أقيما البينة على الحرية ، وفي الآخرين يقال للخصم أقم البينة أنهما كذلك ا هـ . فعلى هذا الجرح [ ص: 488 ] في الشاهد إظهار ما يخل بالعدالة لا بالشهادة مع العدالة ، فإدخال هذه المسائل في الجرح المقبول كما فعل ابن الهمام مردود بل من باب الطعن كما في الخلاصة . وفي خزانة الأكمل : لو برهن على إقرار المدعي بفسقهم أو بما يبطل شهادتهم يقبل ، وليس هذا بجرح وإنما هو من باب إقرار الإنسان على نفسه ا هـ وهذا لا يرد على المصنف فكان على الشارح أن لا يذكر قوله الجرح المركب فإنها زيادة ضرر .

( قوله بقذف ) لأن من تمام حده رد شهادته وهو من حقوق الله تعالى .

( قوله ولم يتقادم العهد ) بأن لم يزل الريح في الخمر ولم يمض شهر في الباقي ، قيد بعدم التقادم إذ لو كان متقادما لا تقبل لعدم إثبات الحق به لأن الشهادة بحد متقادم مردودة منح ، وما ذكره المصنف بقوله ولم يتقادم العهد وفق به الزيلعي بين جعلهم هم زناة شربة الخمر من المجرد وجعلهم زنوا أو سرقوا من غيره . ونقل عن المقدسي أن الأظهر أن قولهم زناة أو فسقة أو شربة أو أكلة ربا اسم فاعل ، وهو قد يكون بمعنى الاستقبال فلا يقطع بوصفهم بما ذكر بخلاف الماضي ا هـ ملخصا وهو حسن جدا لأنه هو المتبادر من تخصيصهم في التمثيل للأول باسم الفاعل وللثاني بالماضي .

( قوله أو شركاء ) فيما إذا كانت الشهادة في شركتهما منح ، والمراد أن الشاهد شريك مفاوض فمهما حصل من هذا الباطل يكون له فيه منفعة لا أن يراد أنه شريكه في المدعى به وإلا كان إقرارا بأن المدعى به لهما فتح ، ومثله في القهستاني . وما في البحر من حمله على الشركة عقدا يشمل بعمومه العنان ولا يلزم منه نفع الشاهد فكأنه سبق قلم . وعلى ما قلنا فقول الشارح والمدعى مال : أي مال تصح فيه الشركة ليخرج نحو العقار وطعام أهله وكسوتهم مما لا تصح فيه .

( قوله أو إني صالحتهم ) أي شهدوا على قول المدعي إني صالحتهم إلخ .

( قوله أي رشوة ) قاله في السعدية




الخدمات العلمية